1 الأدب العربي2 الأحد يناير 17, 2010 11:28 am
doukkala
مشرف عام
عصر صدر الإسلام
جاء الإسلام وأحوال العرب على ما هو مقرر معروف في كتب التاريخ والسيرة والأدب. فقد كانت الفضائل العربية من الأمور الثابتة، إذ اتصفوا بالشجاعة والكرم ونُصرة المظلوم وحماية الجار والصبر والذكاء، غير أن هذه الفضائل الخلقية والعقلية كانت بحاجة إلى ما يبرزها ويعمقها ويحميها من الضعف أو الاندثار، كما كان العرب بحاجة إلى وحدة تجمع تلك القبائل المتناثرة المتناحرة. وحين أتى الإسلام لم يكن حركة إصلاحية فحسب بل كان دينًا ورسالة ونظامًا كاملاً أحدث في جزيرة العرب وماحولها تحولاً جذريًا شاملاً أساسه العقيدة، ثم ما لبث هذا التأثير أن انتقل إلى سائر الشعوب.
وبدهيّ أن يتأثر الأدب بما تأثرت به سائر الأمور والأحوال، فقدحقق الإسلام وحدة لغوية حين اتخذ من لهجة قريش لغته، وبرز القرآن الكريم معجزًا في بيانه وأخباره وتأثيره العميق في الواقع والشخصية، كما جاءت البلاغة النبوية مستوىً آخر من الإعجاز البياني تاليًا لإعجاز القرآن.
ولعلَّ أعظم تأثير أحدثه الإسلام في الأدب، تمثل في عنايته الكبيرة بالنثر. ظهر ذلك في لغة القرآن والحديث النبوي، وفي لغة الخلفاء الراشدين والقادة والقضاة والولاة، وكلّها كانت نثرًا. ولا يعني ذلك، بطبيعة الحال، أن الإسلام أهمل الشعر، بل حرص على الإبقاء عليه، وصار حَسّان بن ثابت شاعر الرسول ³ ولقي هو وغيره من شعراء الإسلام تشجيعًا من النبي ³. وتأثر الشعر بالإسلام: لغة ومضامين. واتخذ عبد الله بن عباس من الشعر الجاهلي مادة لتفسير غريب القرآن الكريم، وكان من صحابة النبي ³ من يتذاكر الشعر الجاهلي وأيام العرب في الجاهلية والنبي ³ لا يُنكر عليهم ذلك.
أثر الإسلام في النثر. كانت عناية الإسلام بالنثر أكبر من عنايته بالشعر، وتأثيره في النثر أعمق. وهذا أمرٌ بدهي، إذ كان النثر أداة الدعوة الأولى، وأداة الإسلام الأولى للتعليم وتوجيه شؤون الجماعة الإسلامية، حين صار للعرب دولة منظمة مهيبة الجانب، ثم أصبح النثر فيما بعد أداة الإسلام في التأليف والتدوين العلمي، وفي نشأة شتى العلوم الإسلامية، والعلوم العربية المساندة لها، وعرف تاريخ الفكر الإنساني تراثًا معرفيًا عظيمًا للمسلمين.
ازدهرت الخطابة في صدر الإسلام ازدهارًا عظيمًا، إذ صارت الأداة القولية الفعالة في الدَّعوة، وفي تنظيم شؤون الدولة، وفي توجيه الجماعة الإسلامية. بل صارت الخطابة مرتبطة بالشعائر الإسلامية، وتمثّل ذلك في خطبة الجمعة ويوم عرفة والعيدين وصلاة الاستسقاء والخروج إلى الجهاد. وكثيرًا ما نطالع في كتب السيرة والسنة، صعود النبي ³ إلى المنبر يخاطب المسلمين في أمور شتى: أمرًا بالمعروف ونهيًا عن المنكر. وتُعدّ خطبة الوداع أشهر خطبه ³، وكذلك كان الخلفاء الراشدون وولاتهم من بعدهم.
صارت الخطابة ـ في العصر الإسلامي ـ أداة الجماعات الممثلة لشتى القبائل عند وفادتها على النبي، أو الخلفاء الراشدين من بعده. وكانت الخطبة الإسلامية تبدأ باسم الله ثم بحمده والصلاة والسلام على نبيه. ويُستشهد فيها بالقرآن الكريم، وتقوم على المعاني الإسلامية. وقد سجلت لنا المصادر الكثير من نصوص الخطابة وأسماء الخطباء، بما يعكس هذه النهضة الكبيرة التي أحدثها الإسلام في هذا الفن، فتفوّق العرب على أقرانهم من اليونان والرومان. وكان للأحداث دورها في تنشيط الخطابة، فضلاً عن الجهاد، واستعداد العرب الفطري لهذا الفن الذي عرفوا به، منذ العصر الجاهلي، كما عرفوا بالشعر.
نشط في هذا العصر فن آخر، هو فن الرسالة حيث اضطلع بما لم تضطلع به الخطبة والقصيدة، وتمثَّل ذلك في رسائل النبي ³، وأولها يتمثل في الكتاب الذي كتبه النبي ³ حين نزل المدينة، يخاطب فيه المهاجرين والأنصار، ويحدد المعالم الأساسية للجماعة المسلمة في وحدة عقيدتها وزوال الفوارق والنعرات القبلية. كما بعث النبي ³ برسائل شتى إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام، ومن أبرزها رسالته إلى هرقل ملك الروم، وإلى المقوقس عظيم مصر.
ويلحق بالرسائل نصوص المعاهدات، ومنها تلك المعاهدة المكتوبة بين النبي ³ وبين قريش عام الحديبية، وفيها اتفاق على هدنة مدتها عشر سنوات "وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل». ومن هذه المعاهدات معاهدته مع أهل نجران، يبين لهم فيها ما عليهم من خراج ثم يقول: "ولنجران وحاشيتها جوار الله وذمة محمد النبي رسول الله على أموالهم وأنفسهم وملّتهم وغائبهم وشاهدهم وعشيرتهم وتبيعهم، وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير".
وفي هذا المقام يُشار إلى حقيقتين مهمتين: الأولى، كثرة ما ورد إلينا من العصر النبوي من نصوص خطابية ورسائل ومعاهدات، وقد نالت هذه النصوص عناية كبيرة من رجال الحديث والمؤرخين، حتى صارت متواترة مشهورة في كتب السيرة والأحاديث والتاريخ، ولها أسانيدها ورواتها. والحقيقة الثانية، أن قدرًا كبيرًا من تلك النصوص قد أصبح معروفًا واستفاضت به المصادر، لأنها اعتُبرت وثائق تاريخية، ومصادر دينية، ونصوصًا أدبية رفيعة المستوى، تعكس هذا التحوّل الكبير الذي أحدثه الإسلام في النثر على وجه الخصوص.
والأمر الذي لا شك فيه أنه كان لانتشار الكتابة منذ عصر النبوّة أكبر الأثر في حفظ هذه النصوص النثرية وتدوينها، بل والثقة بها. ولا شك أيضًا في أن الإسلام قد نشط في محو الأمية، وحث المسلمين على تعلُّم الكتابة والقراءة ونشرها بين الأفراد والجماعات، حتى تمكنوا من تدوين القرآن الكريم على نحو بلغ من الدقة ما لم يبلغه كتاب سماوي، كماشهدت السنّة النبوية بدايات التدوين الدقيق الموثق منذ العهد النبوي. وكان ذلك نواةً لنشأة حركة التأليف والترجمة فيما بعد.
أثر الإسلام في الشعر. تَمَـثَّـل أول أثر للإسلام في الشعر في تلك المعاني الإسلامية الجليلة التي حملها الشعر الإسلامي، فصارت قيمًا راسخة في العقيدة والأدب الإسلامي. كما كان للإسلام أثره في توجيه أهداف الشعر، إذ لم يَعُد هدف الشاعر المسلم التفوق والتميز، أو دعم القيم القبلية، أو التكسُّب وإراقة ماء الوجه. بل صار هدفه، الدِّفاع عن العقيدة والقرآن والنبي ³.
لم يقتصر الشعر على عصر النبوة وحدها، بل تجاوزه إلى عصر الخلافة الراشدة، وكان له دوره في الأحداث الكبرى خلال هذا العصر، كحروب الردّة في خلافة أبي بكر الصديق، وفتوحات عمر وحُسْن بلائه، وأحداث الفتنة الكبرى بين معاوية وعلي بن أبي طالب، رضي الله عنهما، وأشياع كل منهما.
وتردَّدت خلال عصر الخلافة الراشدة أسماء شعراء من أمثال: المخبَّل السَّعْدي، والنابغة الجَعْدي، وأبي الأسود الدُّؤلي، وخُزيمة الأسَدِيِ، وغيرهم.
جاء الإسلام وأحوال العرب على ما هو مقرر معروف في كتب التاريخ والسيرة والأدب. فقد كانت الفضائل العربية من الأمور الثابتة، إذ اتصفوا بالشجاعة والكرم ونُصرة المظلوم وحماية الجار والصبر والذكاء، غير أن هذه الفضائل الخلقية والعقلية كانت بحاجة إلى ما يبرزها ويعمقها ويحميها من الضعف أو الاندثار، كما كان العرب بحاجة إلى وحدة تجمع تلك القبائل المتناثرة المتناحرة. وحين أتى الإسلام لم يكن حركة إصلاحية فحسب بل كان دينًا ورسالة ونظامًا كاملاً أحدث في جزيرة العرب وماحولها تحولاً جذريًا شاملاً أساسه العقيدة، ثم ما لبث هذا التأثير أن انتقل إلى سائر الشعوب.
وبدهيّ أن يتأثر الأدب بما تأثرت به سائر الأمور والأحوال، فقدحقق الإسلام وحدة لغوية حين اتخذ من لهجة قريش لغته، وبرز القرآن الكريم معجزًا في بيانه وأخباره وتأثيره العميق في الواقع والشخصية، كما جاءت البلاغة النبوية مستوىً آخر من الإعجاز البياني تاليًا لإعجاز القرآن.
ولعلَّ أعظم تأثير أحدثه الإسلام في الأدب، تمثل في عنايته الكبيرة بالنثر. ظهر ذلك في لغة القرآن والحديث النبوي، وفي لغة الخلفاء الراشدين والقادة والقضاة والولاة، وكلّها كانت نثرًا. ولا يعني ذلك، بطبيعة الحال، أن الإسلام أهمل الشعر، بل حرص على الإبقاء عليه، وصار حَسّان بن ثابت شاعر الرسول ³ ولقي هو وغيره من شعراء الإسلام تشجيعًا من النبي ³. وتأثر الشعر بالإسلام: لغة ومضامين. واتخذ عبد الله بن عباس من الشعر الجاهلي مادة لتفسير غريب القرآن الكريم، وكان من صحابة النبي ³ من يتذاكر الشعر الجاهلي وأيام العرب في الجاهلية والنبي ³ لا يُنكر عليهم ذلك.
أثر الإسلام في النثر. كانت عناية الإسلام بالنثر أكبر من عنايته بالشعر، وتأثيره في النثر أعمق. وهذا أمرٌ بدهي، إذ كان النثر أداة الدعوة الأولى، وأداة الإسلام الأولى للتعليم وتوجيه شؤون الجماعة الإسلامية، حين صار للعرب دولة منظمة مهيبة الجانب، ثم أصبح النثر فيما بعد أداة الإسلام في التأليف والتدوين العلمي، وفي نشأة شتى العلوم الإسلامية، والعلوم العربية المساندة لها، وعرف تاريخ الفكر الإنساني تراثًا معرفيًا عظيمًا للمسلمين.
ازدهرت الخطابة في صدر الإسلام ازدهارًا عظيمًا، إذ صارت الأداة القولية الفعالة في الدَّعوة، وفي تنظيم شؤون الدولة، وفي توجيه الجماعة الإسلامية. بل صارت الخطابة مرتبطة بالشعائر الإسلامية، وتمثّل ذلك في خطبة الجمعة ويوم عرفة والعيدين وصلاة الاستسقاء والخروج إلى الجهاد. وكثيرًا ما نطالع في كتب السيرة والسنة، صعود النبي ³ إلى المنبر يخاطب المسلمين في أمور شتى: أمرًا بالمعروف ونهيًا عن المنكر. وتُعدّ خطبة الوداع أشهر خطبه ³، وكذلك كان الخلفاء الراشدون وولاتهم من بعدهم.
صارت الخطابة ـ في العصر الإسلامي ـ أداة الجماعات الممثلة لشتى القبائل عند وفادتها على النبي، أو الخلفاء الراشدين من بعده. وكانت الخطبة الإسلامية تبدأ باسم الله ثم بحمده والصلاة والسلام على نبيه. ويُستشهد فيها بالقرآن الكريم، وتقوم على المعاني الإسلامية. وقد سجلت لنا المصادر الكثير من نصوص الخطابة وأسماء الخطباء، بما يعكس هذه النهضة الكبيرة التي أحدثها الإسلام في هذا الفن، فتفوّق العرب على أقرانهم من اليونان والرومان. وكان للأحداث دورها في تنشيط الخطابة، فضلاً عن الجهاد، واستعداد العرب الفطري لهذا الفن الذي عرفوا به، منذ العصر الجاهلي، كما عرفوا بالشعر.
نشط في هذا العصر فن آخر، هو فن الرسالة حيث اضطلع بما لم تضطلع به الخطبة والقصيدة، وتمثَّل ذلك في رسائل النبي ³، وأولها يتمثل في الكتاب الذي كتبه النبي ³ حين نزل المدينة، يخاطب فيه المهاجرين والأنصار، ويحدد المعالم الأساسية للجماعة المسلمة في وحدة عقيدتها وزوال الفوارق والنعرات القبلية. كما بعث النبي ³ برسائل شتى إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام، ومن أبرزها رسالته إلى هرقل ملك الروم، وإلى المقوقس عظيم مصر.
ويلحق بالرسائل نصوص المعاهدات، ومنها تلك المعاهدة المكتوبة بين النبي ³ وبين قريش عام الحديبية، وفيها اتفاق على هدنة مدتها عشر سنوات "وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل». ومن هذه المعاهدات معاهدته مع أهل نجران، يبين لهم فيها ما عليهم من خراج ثم يقول: "ولنجران وحاشيتها جوار الله وذمة محمد النبي رسول الله على أموالهم وأنفسهم وملّتهم وغائبهم وشاهدهم وعشيرتهم وتبيعهم، وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير".
وفي هذا المقام يُشار إلى حقيقتين مهمتين: الأولى، كثرة ما ورد إلينا من العصر النبوي من نصوص خطابية ورسائل ومعاهدات، وقد نالت هذه النصوص عناية كبيرة من رجال الحديث والمؤرخين، حتى صارت متواترة مشهورة في كتب السيرة والأحاديث والتاريخ، ولها أسانيدها ورواتها. والحقيقة الثانية، أن قدرًا كبيرًا من تلك النصوص قد أصبح معروفًا واستفاضت به المصادر، لأنها اعتُبرت وثائق تاريخية، ومصادر دينية، ونصوصًا أدبية رفيعة المستوى، تعكس هذا التحوّل الكبير الذي أحدثه الإسلام في النثر على وجه الخصوص.
والأمر الذي لا شك فيه أنه كان لانتشار الكتابة منذ عصر النبوّة أكبر الأثر في حفظ هذه النصوص النثرية وتدوينها، بل والثقة بها. ولا شك أيضًا في أن الإسلام قد نشط في محو الأمية، وحث المسلمين على تعلُّم الكتابة والقراءة ونشرها بين الأفراد والجماعات، حتى تمكنوا من تدوين القرآن الكريم على نحو بلغ من الدقة ما لم يبلغه كتاب سماوي، كماشهدت السنّة النبوية بدايات التدوين الدقيق الموثق منذ العهد النبوي. وكان ذلك نواةً لنشأة حركة التأليف والترجمة فيما بعد.
أثر الإسلام في الشعر. تَمَـثَّـل أول أثر للإسلام في الشعر في تلك المعاني الإسلامية الجليلة التي حملها الشعر الإسلامي، فصارت قيمًا راسخة في العقيدة والأدب الإسلامي. كما كان للإسلام أثره في توجيه أهداف الشعر، إذ لم يَعُد هدف الشاعر المسلم التفوق والتميز، أو دعم القيم القبلية، أو التكسُّب وإراقة ماء الوجه. بل صار هدفه، الدِّفاع عن العقيدة والقرآن والنبي ³.
لم يقتصر الشعر على عصر النبوة وحدها، بل تجاوزه إلى عصر الخلافة الراشدة، وكان له دوره في الأحداث الكبرى خلال هذا العصر، كحروب الردّة في خلافة أبي بكر الصديق، وفتوحات عمر وحُسْن بلائه، وأحداث الفتنة الكبرى بين معاوية وعلي بن أبي طالب، رضي الله عنهما، وأشياع كل منهما.
وتردَّدت خلال عصر الخلافة الراشدة أسماء شعراء من أمثال: المخبَّل السَّعْدي، والنابغة الجَعْدي، وأبي الأسود الدُّؤلي، وخُزيمة الأسَدِيِ، وغيرهم.