1 الأدب العربي7 الأحد يناير 17, 2010 11:42 am
doukkala
مشرف عام
العصر الحديث
رواد الأدب العربي
تطور الأدب وازدهاره. بلغ الأدب العربي في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي أدنى مستوياته شعرًا ونثرًا إذا قيس بما كان عليه منذ العصر الجاهلي وخلال العصور الإسلامية المتتالية. وظهرت منذ نهاية القرن الثامن عشر الميلادي عدة عوامل، أدَّت دورًا في تطور الأدب ونهضته، فأخذ يخرج من تلك الوهدة وينفض غبار التخلف ويستوي قويًا مرة أخرى. ويمكن حصر تلك العوامل التي ساعدت على نهضة الأدب العربي في العصر الحديث في الآتي:
الحركات الدينية. نهضت حركات الإصلاح الدينية الحديثة قبل أن يتصل العالم الإسلامي بأوروبا وحضارتها. فخلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر بدأ عددٌ من رواد الإصلاح الديني يدركون أن الأمر لن يعود إلى ما كان عليه إلا إذا رد للإسلام اعتباره وعاد مسلمو العصر الحديث إلى جوهر عقيدتهم. واجتمع هؤلاء الرواد عند الشعور بضعف حال المسلمين وفرقتهم وخلافهم وأدركوا أن العلاج في التمسُّك بكتاب الله وتعاليم دينهم وتنقية الدين من الشوائب والبدع وإحياء الإسلام الصحيح.
وكان على رأس هذه الدعوات الإصلاحية دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب في نجد، والشيخ محمد عبده وجمال الدين الأفغاني في مصر والشيخ عبدالرحمن الكواكبي في الشام، والدعوة السنوسية في شمال إفريقيا والدعوة المهديّة في السودان وغيرها. وقد التقت تلك الدَّعوات في الهدف والغاية، وإن اختلفت أساليبها. فجميع أولئك الدُّعاة، سعوا إلى إصلاح أمر المسلمين ورفع راية الإسلام.
ظهر أثر تلك الدعوات في الأدب العربي الحديث في موضوعات الشعر ونثره، فلم يخلُ ديوان شاعر من شعراء تلك الفترة، بين النصف الثاني من القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، من الدعوة إلى جمع شمل المسلمين وإعلاء كلمة الإسلام ونبذ الفرقة. وكانوا يرون أن الخليفة العثماني هو الرمز لوحدة المسلمين، والقادر على إعلاء كلمة الدين. وعلى كل فقد استطاعت هذه الحركات الدينية المعاصرة إيقاظ الشعور الديني والوطني وبث دماء جديدة في شرايين الأدب العربي.
الاتصال بالغرب. اتخذ الاتصال بين الشرق والغرب صورًا متعددة، وكان أول الهزات العنيفة التي أيقظت العرب والمسلمين غزو فرنسا لمصر، الذي كان بداية الاتصال بين الشرق والغرب، وتجلت صوره في التعليم، حيث حظي بجهود من حملة نابليون على مصر والشام، فأرسل بعض العلماء المصريين لفرنسا وعادوا للعمل بالتدريس. وأنشأ محمد علي والي مصر عددًا من المدارس المدنية التي أخذت تزداد وتتنوع تخصصاتها ويُبعث خريجوها إلى أوروبا. وأخذ النشاط التعليمي الطراز الأوروبي، فأُنشئت الجامعة الأهلية المصرية عام 1908م. وامتدت حركة التعليم ومؤسساته من لبنان ومصر إلى تونس وليبيا والجزائر والمغرب، ولكن ظل التأثير الثقافي الأوسع مدى محصورًا في الشام ومصر. كما تجلت صوره أيضًا في الترجمة، التي كانت جزءًا لا ينفصل عن حركة التعليم، حيث أدت دورًا مقدرًا في نقل ثقافة الغرب إلى اللغة العربية. وكان للبعثات التي أرسلها محمد علي أثر في ازدهار هذه الحركة. وكان إنشاء مدرسة الألسن لتخريج المترجمين عام 1836م عملاً مهمًا. كما أنشئت مدارس للعلوم والزراعة والفنون والصنائع وغيرها.
استطاعت حركة التعليم والترجمة أن تسهم في بعث الأدب العربي الحديث حين ترجمت أعمال أدبية غربية، من مسرحيات موليير و وولتر سكوت وفيكتور هوجو وشكسبير وغيرهم، فاتصل ذلك النشاط ببدايات القصة والمسرحية في الأدب العربي، كما عرف الشعر اتجاهات فنية غربية جديدة ونظريات نقدية. وبذلك قدم المترجمون روائع الأدب الغربي؛ شعره ونثره ونقده، إلى قراء الأدب العربي. ومن صور الاتصال بين الشرق والغرب أيضًا حركة الطباعة والصحافة، حيث عرفت البلاد العربية المطبعة في عهد نابليون، ثم أنشأت بعض بعثات التنصير في لبنان مطابع خاصة بها. ولكن مطبعة بولاق التي أنشأها محمد علي في مصر عام 1821م والمطبعة الأمريكية في بيروت عام 1834م وكذلك اليسوعية ببيروت عام 1848م، هذه المطابع كان لها أعظم الأثر في نشر الثقافة الحديثة مترجمة ومؤلفة في العالم العربي. وقد اختصت مطبعة بولاق بنشر روائع التراث العربي الإسلامي، فقللت التكلفة الباهظة للكتب، وجعلها في متناول اليد، وبأسعار زهيدة.
وكان من أثر تأسيس المطابع ظهور الصحف والمجلات، فصدرت الوقائع المصرية (1822م) وغيرها من الصحف والمجلات اليومية والدورية. ولمّا بدأت الأحزاب السياسية في الظهور، أدَّت الصحافة والفن الصحفي دورًا كبيرًا في ذلك، وأصبح لكل حزب منبر صحفي يُعنى بالسياسة، كما يقدم المعرفة في المجالات الأدبية والعلمية والاقتصادية والاجتماعية.
وكانت تلك الصحف المنبر الحقيقي لبعث الحركة الفكرية والأدبية في الأدب العربي الحديث. وكان من فرسانها طه حسين والعقاد والمازني، ومن الشعراء أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وخليل مطران. وما تزال مجلات مثل المقتطف والهلال والرسالة والثقافة من وسائل الوعي الثقافي ونهضته في البلاد العربية.
حركة إحياء التراث العربي الإسلامي. تكوَّنت جمعيات أهلية بنهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين الميلاديين، جعلت مهمتها إحياء التراث العربي ونشره. فأشرفت مجموعة من علماء الأزهر على مطبعة بولاق واختاروا طائفة من مخطوطات التراث، وعملوا على نشرها. فظهر لسان العرب لابن منظور وكتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ودواوين الحماسة ودواوين شعراء فحول العصر الأموي والعباسي وغير ذلك من عيون مؤلفات المكتبة العربية.
ولما تأسست لجنة التأليف والنشر والترجمة بالقاهرة ساهمت في حركة إحياء التراث ونشره. وكذلك أسهمت مطبعة الجوائب التي أنشأها أحمد فارس الشدياق في نشر كتب التراث.
المجامع العلمية اللغوية. أدت هذه المجامع منذ إنشائها دورًا كبيرًا في مدّ الجسور العلمية بين الحضارة العربية والحضارة الغربية. وكان أول مجمع علمي ذلك الذي أسَّسه نابليون أثناء حملته، وجعل فيه فروعًا للرياضيات والفيزياء والآداب والفنون، وجعل أهم أهدافه نشر علوم أوروبا وفنونها في مصر. انظر: المجامع اللغوية. وفي عام 1835م تأسست الجمعية المصرية وغايتها إنشاء مكتبة ضخمة، وحين جُمّد نشاطها أسَّست مجموعة من علماء الإسكندرية مجلس المعارف المصري بالإسكندرية عام 1859م، وبعد ذلك تتابع تأسيس هذه الجماعات والمجامع، وكان من أشهرها جمعية مصر الفتاة، وفي بيروت قامت جمعية المقاصد الإسلامية عام 1880م.
وهدف هذه الجمعيات توحيد جهود العلماء والأدباء وتنظيمها بجعلهم يتعاونون في مجال التخصص الواحد ويتبادلون الآراء، وكان من ثمار هذه الجمعيات جماعات أدبية وفكرية جديدة من أهمها جماعة أبولو 1932م. انظر: الشعر.
حركة الاستشراق. رغم أن حركة الاستشراق بدأت أول أمرها لتمكن المستعمر من تدبير شؤونه في البلاد المستعمرة، عن طريق اتصاله بأدبها ولغتها ونفسيات أهلها، إلا أن هذه الحركة انتهت بإنشاء جمعيات علمية يقوم على أمرها علماء متخصصون في مجال التاريخ والاقتصاد واللغات والأدب.
وتعد الجمعية الآسيوية الملكية بلندن (1722م) ونظيرتها الفرنسية (1820م) أشهر هذه الجمعيات، وكان لكل منهما مجلة مشهورة وجهود في نشر المخطوطات وترجمة عيون الكتب العربية إلى اللغات الأوروبية.
تبع حركة الاستشراق تأسيس معاهد اللغات الشرقية التي من أشهرها مدرسة اللغات الشرقية بلندن وباريس وبرلين. كما اهتمَّت حركة الاستشراق بإنشاء المكتبات ومراكز المخطوطات.
وأدت تلك العوامل الإيجابية، من نشاط ثقافي وعلمي واتصال بالغرب عن طريق التعليم والترجمة والطباعة والنشر، ثم حركة إحياء التراث العربي والإسلامي، بجانب إنشاء المجامع العلمية واللغوية، ثم دور حركة الاستشراق، دورًا مهمًا في تطور الأدب وازدهاره، شعرًا ونثرًا، في العصر الحديث.
شعراء العصر الحديث
الشعر في العصر الحديث. ظل الشعر في العالم العربي قبل عصر النهضة، يحذو حذو تلك النماذج التي كانت سائدة خلال العصر العثماني، سواءٌ في صياغته الركيكة، أو أساليبه المتكلفة المثقلة بقيود الصنعة، أو في موضوعاته التافهة، أو في أفكاره المتهافتة، أو في معانيه المبتذلة. وعلى الرغم من ظهور بعض الشعراء أصحاب الصوت الشعري القوي المعبِّر، إلا أنهم كانوا قلة في خضم الضحالة السائدة في مملكة الشعر. ومن هذه الأصوات الشعرية القوية حسن العطار في مصر (1766 - 1835م) وبطرس البستاني في لبنان (1774- 1851م) وشهاب الدين الألوسي في العراق (1802 - 1854م) وغيرهم.
وظهرت مع النصف الثاني من القرن التاسع عشر بدايات نهضة فنية في الشعر العربي الحديث، واستمرت هذه الحركة في القوة والاندفاع حتى سادت خلال القرن العشرين. وانتقل الشعر نقلة كبرى خرجت به إلى عوالم أرحب وأوسع، فتنوعت اتجاهاته ومدارسه، وأدَّت مدارس الشعر في العصر الحديث مثل مدرسة الإحياء والديوان وأبولو والمهجر والمدرسة الحديثة دورًا مقدرًا في بلورة اتجاهات الشعر والخروج بها من التجريب والتنظير إلى التطبيق والانطلاق. انظر: الشعر.
ويُعد الشاعر محمود سامي البارودي (1839 - 1904م) رائد حركة الإحياء في الشعر العربي الحديث غير منازع. وأدى تلاميذه من بعده، أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وأحمد محرم ومن سلك مسلكهم، دورًا كبيرًا في بعث الحياة والفن معًا في بنية القصيدة العربية. وكانت ريادة هؤلاء النفر العامل الفاعل في تطور الشعر العربي في العصر الحديث وإعادته لعصره الذهبي، فهم بعدوا بالشعر عن تلك الأساليب الركيكة المبتذلة، حين نفثوا فيه قوة وإشراقًا، هي صنو لإشراق اللغة العربية وقوتها بعد جمودها، قبل عصر النهضة في تلك القوالب ذات الصيغ المزركشة المصطنعة.
وفق هذا الجيل إلى مد جسر فكري فني شعري يربط الماضي بالحاضر. فكان بعثهم للقصيدة العربية لايخلو من محافظة على موروثها وقيمها وإيقاعها وأوزانها. فالقصيدة لديهم فخمة الإيقاع، جزلة الألفاظ، قوية التعبير، رصينة المعنى، مواكبة متطلبات العصر وأحداثه.
وجد شعر هذه الفئة من رواد الإحياء والبعث صدى طيبًا في نفوس الشباب، وكان معظم هؤلاء الشباب ممن تفتحت عيونهم وعقولهم على ثقافات أجنبية. ويمثل أحمد شوقي اللبنة الثانية بعد البارودي في نهضة الشعر الحديث. فقد كان متصلاً اتصالاً واعيًا بالأدب العربي القديم، واستطاع أن يحيي نماذجه الرصينة كأشعار البحتري وأبي نواس وغيرهم. ومن هنا كان بعثه للقصيدة العربية الحديثة مستمدًا من إحيائه لنماذج الشعر القديم، وكوّن لنفسه أسلوبًا شعريًا أصيلاً جعله يجمع بين القديم والحديث، ومن ثمّ جاء أسلوبه جزلاً قويًا، فيه رصانة وحلاوة شعرية، وقدرةٌ على احتواء متطلبات عصره والتعبير عنها.
وهكذا حافظ شعراء مدرسة الإحياء على صورة القصيدة العربية من ناحية، كما جعلوها مقبولة ومعبرة عن عصرهم من ناحية أخرى. لكل ذلك استقطب شعرهم اهتمام معاصريهم، فنشرته الصحف، وذاع بين الناس، فتذوقوه لخلُّوه من الغريب والحوشي من اللفظ والزركشة والصنعة في الصياغة فأسر العقول والقلوب. وكان كل ذلك من عوامل تطور الشعر في العصر الحديث وبعثه.
ويظهر مع النصف الأول من القرن العشرين جيل جديد اتصل بالثقافة الأوروبية، والإنجليزية منها بوجه خاص، اتصالاً أعمق من اتصال الجيل الأول. ومن ثم اختلفت رؤيتهم لمهمة الشعر عن تلك التي كانت للجيل السابق، فعابوا على من سبقهم معالجتهم للموضوعات التقليدية التي لا يتجاوزونها. أما جيلهم فيرى أن الشعر تعبير ورصد لحركة الكون وأثرها في الذات الشاعرة، وهو تعبير عن النفس بمعناها الإنساني العام، وتعبير عن الطبيعة وأسرارها، وتصوير للعواطف الإنسانية التي تثور بها نفس الشاعر.
التف هذا الجيل حول حركة نقدية عرفت بجماعة الديوان. وكان أشهر روادها عباس محمود العقاد وعبد الرحمن شكري وإبراهيم عبد القادر المازني. وقد اتخذت مدرسة الديوان من شعر أحمد شوقي ميدانًا لتطبيق نظريتهم النقدية، كما جعلوا من أشعارهم ميدانًا لبث آرائهم ودعوتهم في كتابة الشعر وقيمه وصياغته وأشكاله.
أخذ تأثير الأدب الغربي على الأدب العربي يزداد وضوحًا منذ الثلاثينيات من القرن العشرين حين ظهرت مدرسة نقدية شعرية عرفت باسم جماعة أبولو، أسسها أحمد زكي أبو شادي وكان الشاعر علي محمود طه من أبرز أعضائها.
هذه الجماعة كانت أكثر مناداة بتطوير القصيدة العربية من مدرسة الإحياء ومدرسة الديوان، ويعزى ذلك إلى تأثرها بالمذهب الرومانسي في الشعر الغربي. كما تأثروا بشعراء المهجر أمثال إيليا أبي ماضي وميخائيل نعيمة ونسيب عريضة. وقد تركت مدرسة أبولو أثرًا لا ينكر في عدد من شعراء العالم العربي، فتأثر بها أبو القاسم الشابي من تونس والتيّجانيّ يوسف بشير من السودان وحسن القرشي من المملكة العربية السعودية وإلياس أبو شبكة من لبنان وغيرهم. وعلى يد هذه المدرسة أضحت القصيدة العربية تمتاز بسهولة في التعبير وبساطة في اللغة وتدفّق في الموسيقى، كما غلب على موضوعاتها التأمل والامتزاج بالطبيعة وشعر الحب والغناء بالمشاعر مع نزعة الألم والشكوى.
ويمثل الشعر العربي في المهجر امتدادًا لهذا الاتجاه الرومانسي في الشعر الحديث. فقد قامت في المهجر الأمريكي الشمالي الرابطة القلمية وفي الجنوبي العصبة الأندلسية. وظل شعرهم مثقلاً بهموم الوطن والمناجاة الفكرية والنفسية والتهويمات الصوفية. ومن أشهر شعرائهم إيليا أبو ماضي وميخائيل نعيمة وإلياس فرحات ورشيد أيوب.
أما في الأربعينيات من القرن العشرين فقد أخذت القصيدة العربية شكلها الذي استقرت عليه في قوالب الشعر الحُر، فانتقلت في صياغتها وأفكارها وموضوعاتها، وتعددت أصوات الشعراء، وتنوعت مدارسهم، وكثر عددهم. وكان من فرسان القصيدة الحديثة صلاح عبد الصبور في مصر والسياب والبياتي في العراق، ونزار قباني ونازك الملائكة في سوريا، ومحمد المهدي المجذوب والفيتوري في السودان.
يحمل الشعر الحديث أنماطًا من التعبير في مدرسة الحداثة، ويكتب الشاعران أدونيس ومحمود درويش ألوانًا من الشعر تختلف اختلافًا كبيرًا عما كانت عليه بدايات تطور القصيدة العربية في العصر الحديث، وإذا بالمسافة تبتعد تمامًا بين البارودي وشوقي وبين بلند الحيدري ويوسف الخال ونذير العظمة وأضرابهم.
كتاب العصر الحديث
الـنـثر في العصر الحديث. ظل النثر العربي يعاني حالة من التردي والقصور بدأت منذ عصور الدول الإسلامية المتتابعة وبلغت أوجها في العصر العثماني. وصار اهتمام الأدب والأدباء محصورًا في الصنعة اللفظية، فأكثروا من المحسنات البديعية ووجهوا لها عناية خاصة. وزاد الأمر سوءًا أن تسربت الألفاظ التُّركية إلى اللغة الفصحى، فانحصرت اللغة الفصحى بين طائفة المتأدبين وأهل العلم من شيوخ الأزهر، حين ضعف الحس بالعربية بين فئات المجتمع الأخرى.
ثم بدأت بنهاية القرن الثامن عشر حركة انبعاث في الأدب العربي الحديث أثّرت على الشعر والنثر معًا، وأدت إلى لون من النضج والازدهار. وكان من أظهر عوامل هذه النهضة في النثر الحديث ظهور لون جديد من الكتابة المرسلة المتحررة من إسار السجع وصنعة الجناس وقيود البديع. ويُعد المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي من رواد هذا اللون من النثر. وقد تأثّر بالجبرتي جيل من الكتاب الشباب تخلصوا من ضروب البديع وعمدوا إلى التعبير المرسل وكان من أشهرهم ناصيف اليازجي، وأحمد فارس الشدياق.
نهض النثر عقب ذلك نهضة واسعة، وتحرر تمامًا من تلك القيود البديعية، فسادت بين الكتاب والخطباء أساليب من الفصاحة والبلاغة والبيان تبعد عن التكلف والصنعة، وكان من أقطاب هذه المدرسة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في رسائله المشهورة والشيخ محمد عبده في مقالاته الاجتماعية والدينية، ومصطفى كامل في خطبه الوطنية السياسية، والأديب شكيب أرسلان في موضوعاته الأدبية. ويعقب هذا الجيل جيل آخر كان أشد تأثرًا بعوامل النهضة الفكرية والثقافية التي تركت سماتها في الأدب العربي الحديث. وينهض على عاتق هذا الجيل بناء جديد في النثر العربي الحديث كان من أشهر رجاله محمد حُسَيْن هيكل وعباس محمود العقاد وطه حسين وأضرابهم.
ومن العوامل الحاسمة في تطور النثر العربي الحديث وخروجه من وهدة التخلف والركاكة ما صاحب النهضة الأدبية في العصر الحديث من مد جسور الاتصال الفكري والثقافي بين الشرق والغرب عن طريق التعليم والبعثات والترجمة ودور الطباعة ومنشآت الصحف والمكتبات وما إلى ذلك من وسائل ثقافية وفكرية كان النثر فارس ميدانها غير منازع.
ومن أبرز فنون النثر في الأدب العربي الحديث ظهرت ألوان في التعبير ما كان للنثر سابق عهد بها، ومن أهم هذه الفنون:
المقالة. عرف العرب في تاريخهم الأدبي الرسائل الديوانية والإخوانية والأدبية فنًا نثريًا يعالج تارة قضايا سياسية أو اجتماعية أو أدبية، ويعبر بأخرى عن مشاعر ذاتية خاصة. وهذه الرسائل قد تطول في بعض منها وتصبح كتابًا قائمًا بذاته.
ولعلّ فن الرسالة في الأدب القديم هو أقرب الأشكال النثرية إلى فن المقالة في النثر الحديث، إلا أن نشأة المقالة في الأدب العربي الحديث ارتبطت أول أمرها بالصحافة، فتنوعت موضوعاتها بين أدبية ووطنية واجتماعية، ثم اتسع مجالها ليشارك في شؤون المجتمع وأحداثه المختلفة.
كان أسلوب المقالة أول أمره لا يخلو من الصنعة البديعية المتكلفة، ثم أخذ يتحرر من هذه القيود، ويميل إلى البساطة في التعبير، والتركيز على الفكرة، والعمق في المعالجة، مع الموضوعية والبعد عن الذاتية. كما أخذ يميل إلى الاختصار مراعاة لحيّز النشر وعجلة القارئ. أما موضوعاته فقد تنوعت بين السياسة والموضوعات العامة والعلاقات الاجتماعية والأحوال الاقتصادية والقضايا الأدبية والنقدية والنواحي التربوية والجوانب الدينية. وأصبحت المقالة هي المسيطرة على أعمدة النشر في مجالاته المختلفة ولها روادها وجمهورها. فلا غرو أن ذاع صيت معظم أدباء العصر بسبب مقالاتهم التي رفعت مكانتهم الأدبية. ومن أشهر كتَّابها محمد حُسَيْن هيكل وأحمد حسن الزيات والعقاد وطه حسين والمنفلوطي وغيرهم.
القصة والرواية. لم يعرف الأدب العربي القديم القصة أو الرواية شكلين فنيين قائمين بذاتهما. وكانت الأخبار الممتزجة بالخيال والتاريخ والأُسطورة أو قصص الأمثال أو أخبار الرواة تقوم مقام ذلك. ثم كانت كتب الجاحظ وما تحفل به في ثناياها من نوادر قصصية، إلى أن ظهر بديع الزمان الهمذاني في القرن الرابع الهجري، وعلى يديه ظهر فن المقامة الذي يحمل طابعًا قصصيًا لاينكر. وقد بلغت المقامة ذروتها الفنية على يد الحريري. انظر: المقامات.
وعندما تطلّع أدباء عصر النهضة في الأدب الحديث إلى التراث العربي يستلهمونه، كتب ناصيف اليازجي كتابه مجمع البحرين، وجعل منه طرائف أدبية وذخيرة لغوية وألوانًا بديعية في قالب قصصي يماثل ماكان يفعله بطل المقامات الأديب المكدي.
ثم كان كتاب حديث عيسى بن هشام لمحمد المويلحي وهو أهم مؤلف في العصر الحديث قرّب الشقة بين شكل المقامة القديم والرواية في شكلها الحديث. وقد صوّر المويلحي، في قالب روائي، جوانب متعددة من التغيير الاجتماعي الذي أصاب مصر حين تأثرت بالمدنية الغربية. وعبر عن هذا التغيير من وجهة نظر شخصية متخيّلة لقائد من قواد جيش محمد علي بعث من قبره بعد موته. وكان يصاحبه الراوي عيسى بن هشام وهو الكاتب نفسه. واتصلت حوادث حديث عيسى بن هشام في شكل مغامرات يسعى البطل من خلالها إلى أن يجد لنفسه مكانًا في هذه الحياة التي تبدلت عما كانت عليه. وكان كل فصل من فصول الكتاب يحمل صورة من صور تلك الحياة، يقربه من أسلوب القصة القصيرة وقالبها.
كما كانت الروايات المترجمة عن الفرنسية والإنجليزية تحظى بإقبال متزايد من القراء. أما الروايات التاريخية على يد جرجي زيدان فاستأثرت بنصيب وافر من اهتمام طبقة من قراء تلك الفترة.
وفي عام 1912م صدرت رواية زينب لمحمد حُسَيْن هيكل، وهي أول عمل يعكس فهمًا ونضجًا لأساليب الرواية الفنية الحديثة، وتعد باكورة لما أتى بعدها من روايات في الأدب العربي الحديث. ولكن الإبداع الروائي الجاد ظل قليلاً ونادرًا عقب رواية زينب حتى ظهر جيل من الكتاب المجيدين. وكان أشهرهم محمد فريد أبو حديد و علي أحمد باكثير والطيب صالح و محمد عبد الحليم عبد الله وسهيل إدريس فضلاً عن ذروة هذا الفن في الأدب الروائي نجيب محفوظ. انظر: الرواية.
أعلام الأدب العربي
أما القصة القصيرة بمفهومها الحديث فقد تأخرت بضع سنوات في نضجها الفني عن الرواية. فجذورها ترجع إلى الرُّبع الأول من القرن العشرين، وكان من روادها محمود تيمور ويحيى حقي. ثم دخل عدد من الكتاب عالم القصة القصيرة، وأصبحت فن العصر غير منازع، وحظيت بجمهور لا يقل عن جمهور الرواية، كما ناقشت كثيرًا من القضايا الاجتماعية والسياسية والفكرية، مستفيدة من قصرها وسرعة إيقاعها وعجلة الجمهور. فأضحت القصة أكثر جرأة وأشد تأثيرًا في حياة الناس ومجتمعاتهم من الرواية ذات النفس الطويل الهادئ. انظر: القصة القصيرة.
المسرحية. إن كان الأدب العربي القديم لم يعرف المسرحية لأسباب اختلف الدارسون حولها، فإن الأدب في العصر الحديث عرف شيئًا من بواكير الحركة المسرحية خلال الحملة الفرنسية على مصر والشام، ولكن الحياة الأدبية لم تتأثر كثيرًا بتلك المسرحيات التي كانت تقدم باللغة الفرنسية. وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر أنشئت دار الأوبرا في القاهرة لتعرض عليها الفرق الأجنبية مسرحياتها التمثيلية والغنائية. أما في لبنان فقد سبق الفن التمثيلي مصر بسنوات حين أسس مارون النقاش فرقة من الهواة تولى أمرها بعد وفاته أخوه سليم النقاش الذي انتقل بفرقته من بيروت للإسكندرية.
وخلال تلك الفترة تعددت الفرق المسرحية في مصر وكان من أشهرها فرقة يعقوب صنوع وفرقة سليمان القرداحي وفرقة أبي خليل القباني وفرقة إسكندر فرح. وكانت هذه الفرق تقدم روايات فرنسية مترجمة أو ممصرة حتى تناسب ذوق الجمهور. وأكثر تلك المسرحيات نقد للحياة الاجتماعية والأخلاقية.
وفي أوائل القرن العشرين نهض فن المسرح في مصر نهضة عظيمة على يد عزيز عيد و جورج أبيض. ففي عام 1912م ظهرت جمعية أنصار التمثيل وقدمت مسرحًا يقوم على قواعد علمية صحيحة، ازدهر فيه نشاط التمثيل والتأليف. ويعد محمد عثمان جلال رائدًا من رواد الفن المسرحي، حيث قام بتعريب مسرحيات موليير الهزلية بأسلوب صحيح.
بدأ فن التأليف للمسرح على يد فرسان ثلاثة هم: فرح أنطوان، الذي كتب مسرحية مصر الجديدة ومصر القديمة (1913م)، وهي رؤية اجتماعية عن عيوب المجتمع بسبب مساوئ الحضارة الغربية ومفاسدها. وبعدها بعام كتب مسرحية تاريخية هي السلطان صلاح الدين ومملكة أورشليم، وهي أفضل من سابقتها في دقة رسم شخوصها، وحيوية حوارها وتصميمها المسرحي، وتحكي عن الصراع الحاد بين شجاعة الشرق المسلم ومكر الاستعمار الغربي. وثاني هؤلاء الرواد هو إبراهيم رمزي الذي كتب أبطال المنصورة (1915م)، وهي مسرحية تاريخية تصوّر جانبًا من حياة البطولة العربية الإسلامية أثناء الحروب الصليبية. والثالث هو محمد تيمور، الذي درس التمثيل في فرنسا بعد تخرجه في كلية الحقوق، فكتب أربع مسرحيات هي العصفور في قفص؛ عبد السَّتار أفندي؛ الهاوية؛ العشْرَة الطيبة.
وازدهرت الحركة المسرحية حين كثرت الفرق والجمعيات القائمة على دراسة التمثيل والتأليف المسرحي. وارتبط أدباء العرب بأصول هذا الفن في الغرب، فترسخ أسسه في العالم العربي تمثيلاً وتأليفًا، إلى أن ظهر رائد المسرح العربي الحديث توفيق الحكيم الذي يعد أقوى دعائم المسرح العربي الحديث، إذ تخصص في الكتابة له وكان شغوفًا بالأعمال المسرحية، كما نقل اتجاهات المسرح الحديث في الغرب إلى مسرحنا العربي، وأربت مسرحياته على الأربعين.
انفتح مجال التأليف المسرحي فدخل إلى حلبته عدد كبير من الكتّاب العرب، وتجاوز نطاقه مصر وبيروت، كما تنوعت لغته بين النثر والشعر، ووجدت المسرحية الشعرية مكانها اللائق بها. أما من ناحية الأفكار والموضوعات فقد تنوعت دلالاتها بين السياسية والاجتماعية والفكرية والفلسفية والصوفية. وأصبح المسرح، بحق، أبًا لكل الفنون، كما وجد من الجمهور إقبالاً واحتفالاً لا يقل عن الاحتفال بدُنْيا القصص والروايات.
رواد الأدب العربي
تطور الأدب وازدهاره. بلغ الأدب العربي في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي أدنى مستوياته شعرًا ونثرًا إذا قيس بما كان عليه منذ العصر الجاهلي وخلال العصور الإسلامية المتتالية. وظهرت منذ نهاية القرن الثامن عشر الميلادي عدة عوامل، أدَّت دورًا في تطور الأدب ونهضته، فأخذ يخرج من تلك الوهدة وينفض غبار التخلف ويستوي قويًا مرة أخرى. ويمكن حصر تلك العوامل التي ساعدت على نهضة الأدب العربي في العصر الحديث في الآتي:
الحركات الدينية. نهضت حركات الإصلاح الدينية الحديثة قبل أن يتصل العالم الإسلامي بأوروبا وحضارتها. فخلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر بدأ عددٌ من رواد الإصلاح الديني يدركون أن الأمر لن يعود إلى ما كان عليه إلا إذا رد للإسلام اعتباره وعاد مسلمو العصر الحديث إلى جوهر عقيدتهم. واجتمع هؤلاء الرواد عند الشعور بضعف حال المسلمين وفرقتهم وخلافهم وأدركوا أن العلاج في التمسُّك بكتاب الله وتعاليم دينهم وتنقية الدين من الشوائب والبدع وإحياء الإسلام الصحيح.
وكان على رأس هذه الدعوات الإصلاحية دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب في نجد، والشيخ محمد عبده وجمال الدين الأفغاني في مصر والشيخ عبدالرحمن الكواكبي في الشام، والدعوة السنوسية في شمال إفريقيا والدعوة المهديّة في السودان وغيرها. وقد التقت تلك الدَّعوات في الهدف والغاية، وإن اختلفت أساليبها. فجميع أولئك الدُّعاة، سعوا إلى إصلاح أمر المسلمين ورفع راية الإسلام.
ظهر أثر تلك الدعوات في الأدب العربي الحديث في موضوعات الشعر ونثره، فلم يخلُ ديوان شاعر من شعراء تلك الفترة، بين النصف الثاني من القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، من الدعوة إلى جمع شمل المسلمين وإعلاء كلمة الإسلام ونبذ الفرقة. وكانوا يرون أن الخليفة العثماني هو الرمز لوحدة المسلمين، والقادر على إعلاء كلمة الدين. وعلى كل فقد استطاعت هذه الحركات الدينية المعاصرة إيقاظ الشعور الديني والوطني وبث دماء جديدة في شرايين الأدب العربي.
الاتصال بالغرب. اتخذ الاتصال بين الشرق والغرب صورًا متعددة، وكان أول الهزات العنيفة التي أيقظت العرب والمسلمين غزو فرنسا لمصر، الذي كان بداية الاتصال بين الشرق والغرب، وتجلت صوره في التعليم، حيث حظي بجهود من حملة نابليون على مصر والشام، فأرسل بعض العلماء المصريين لفرنسا وعادوا للعمل بالتدريس. وأنشأ محمد علي والي مصر عددًا من المدارس المدنية التي أخذت تزداد وتتنوع تخصصاتها ويُبعث خريجوها إلى أوروبا. وأخذ النشاط التعليمي الطراز الأوروبي، فأُنشئت الجامعة الأهلية المصرية عام 1908م. وامتدت حركة التعليم ومؤسساته من لبنان ومصر إلى تونس وليبيا والجزائر والمغرب، ولكن ظل التأثير الثقافي الأوسع مدى محصورًا في الشام ومصر. كما تجلت صوره أيضًا في الترجمة، التي كانت جزءًا لا ينفصل عن حركة التعليم، حيث أدت دورًا مقدرًا في نقل ثقافة الغرب إلى اللغة العربية. وكان للبعثات التي أرسلها محمد علي أثر في ازدهار هذه الحركة. وكان إنشاء مدرسة الألسن لتخريج المترجمين عام 1836م عملاً مهمًا. كما أنشئت مدارس للعلوم والزراعة والفنون والصنائع وغيرها.
استطاعت حركة التعليم والترجمة أن تسهم في بعث الأدب العربي الحديث حين ترجمت أعمال أدبية غربية، من مسرحيات موليير و وولتر سكوت وفيكتور هوجو وشكسبير وغيرهم، فاتصل ذلك النشاط ببدايات القصة والمسرحية في الأدب العربي، كما عرف الشعر اتجاهات فنية غربية جديدة ونظريات نقدية. وبذلك قدم المترجمون روائع الأدب الغربي؛ شعره ونثره ونقده، إلى قراء الأدب العربي. ومن صور الاتصال بين الشرق والغرب أيضًا حركة الطباعة والصحافة، حيث عرفت البلاد العربية المطبعة في عهد نابليون، ثم أنشأت بعض بعثات التنصير في لبنان مطابع خاصة بها. ولكن مطبعة بولاق التي أنشأها محمد علي في مصر عام 1821م والمطبعة الأمريكية في بيروت عام 1834م وكذلك اليسوعية ببيروت عام 1848م، هذه المطابع كان لها أعظم الأثر في نشر الثقافة الحديثة مترجمة ومؤلفة في العالم العربي. وقد اختصت مطبعة بولاق بنشر روائع التراث العربي الإسلامي، فقللت التكلفة الباهظة للكتب، وجعلها في متناول اليد، وبأسعار زهيدة.
وكان من أثر تأسيس المطابع ظهور الصحف والمجلات، فصدرت الوقائع المصرية (1822م) وغيرها من الصحف والمجلات اليومية والدورية. ولمّا بدأت الأحزاب السياسية في الظهور، أدَّت الصحافة والفن الصحفي دورًا كبيرًا في ذلك، وأصبح لكل حزب منبر صحفي يُعنى بالسياسة، كما يقدم المعرفة في المجالات الأدبية والعلمية والاقتصادية والاجتماعية.
وكانت تلك الصحف المنبر الحقيقي لبعث الحركة الفكرية والأدبية في الأدب العربي الحديث. وكان من فرسانها طه حسين والعقاد والمازني، ومن الشعراء أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وخليل مطران. وما تزال مجلات مثل المقتطف والهلال والرسالة والثقافة من وسائل الوعي الثقافي ونهضته في البلاد العربية.
حركة إحياء التراث العربي الإسلامي. تكوَّنت جمعيات أهلية بنهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين الميلاديين، جعلت مهمتها إحياء التراث العربي ونشره. فأشرفت مجموعة من علماء الأزهر على مطبعة بولاق واختاروا طائفة من مخطوطات التراث، وعملوا على نشرها. فظهر لسان العرب لابن منظور وكتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ودواوين الحماسة ودواوين شعراء فحول العصر الأموي والعباسي وغير ذلك من عيون مؤلفات المكتبة العربية.
ولما تأسست لجنة التأليف والنشر والترجمة بالقاهرة ساهمت في حركة إحياء التراث ونشره. وكذلك أسهمت مطبعة الجوائب التي أنشأها أحمد فارس الشدياق في نشر كتب التراث.
المجامع العلمية اللغوية. أدت هذه المجامع منذ إنشائها دورًا كبيرًا في مدّ الجسور العلمية بين الحضارة العربية والحضارة الغربية. وكان أول مجمع علمي ذلك الذي أسَّسه نابليون أثناء حملته، وجعل فيه فروعًا للرياضيات والفيزياء والآداب والفنون، وجعل أهم أهدافه نشر علوم أوروبا وفنونها في مصر. انظر: المجامع اللغوية. وفي عام 1835م تأسست الجمعية المصرية وغايتها إنشاء مكتبة ضخمة، وحين جُمّد نشاطها أسَّست مجموعة من علماء الإسكندرية مجلس المعارف المصري بالإسكندرية عام 1859م، وبعد ذلك تتابع تأسيس هذه الجماعات والمجامع، وكان من أشهرها جمعية مصر الفتاة، وفي بيروت قامت جمعية المقاصد الإسلامية عام 1880م.
وهدف هذه الجمعيات توحيد جهود العلماء والأدباء وتنظيمها بجعلهم يتعاونون في مجال التخصص الواحد ويتبادلون الآراء، وكان من ثمار هذه الجمعيات جماعات أدبية وفكرية جديدة من أهمها جماعة أبولو 1932م. انظر: الشعر.
حركة الاستشراق. رغم أن حركة الاستشراق بدأت أول أمرها لتمكن المستعمر من تدبير شؤونه في البلاد المستعمرة، عن طريق اتصاله بأدبها ولغتها ونفسيات أهلها، إلا أن هذه الحركة انتهت بإنشاء جمعيات علمية يقوم على أمرها علماء متخصصون في مجال التاريخ والاقتصاد واللغات والأدب.
وتعد الجمعية الآسيوية الملكية بلندن (1722م) ونظيرتها الفرنسية (1820م) أشهر هذه الجمعيات، وكان لكل منهما مجلة مشهورة وجهود في نشر المخطوطات وترجمة عيون الكتب العربية إلى اللغات الأوروبية.
تبع حركة الاستشراق تأسيس معاهد اللغات الشرقية التي من أشهرها مدرسة اللغات الشرقية بلندن وباريس وبرلين. كما اهتمَّت حركة الاستشراق بإنشاء المكتبات ومراكز المخطوطات.
وأدت تلك العوامل الإيجابية، من نشاط ثقافي وعلمي واتصال بالغرب عن طريق التعليم والترجمة والطباعة والنشر، ثم حركة إحياء التراث العربي والإسلامي، بجانب إنشاء المجامع العلمية واللغوية، ثم دور حركة الاستشراق، دورًا مهمًا في تطور الأدب وازدهاره، شعرًا ونثرًا، في العصر الحديث.
شعراء العصر الحديث
الشعر في العصر الحديث. ظل الشعر في العالم العربي قبل عصر النهضة، يحذو حذو تلك النماذج التي كانت سائدة خلال العصر العثماني، سواءٌ في صياغته الركيكة، أو أساليبه المتكلفة المثقلة بقيود الصنعة، أو في موضوعاته التافهة، أو في أفكاره المتهافتة، أو في معانيه المبتذلة. وعلى الرغم من ظهور بعض الشعراء أصحاب الصوت الشعري القوي المعبِّر، إلا أنهم كانوا قلة في خضم الضحالة السائدة في مملكة الشعر. ومن هذه الأصوات الشعرية القوية حسن العطار في مصر (1766 - 1835م) وبطرس البستاني في لبنان (1774- 1851م) وشهاب الدين الألوسي في العراق (1802 - 1854م) وغيرهم.
وظهرت مع النصف الثاني من القرن التاسع عشر بدايات نهضة فنية في الشعر العربي الحديث، واستمرت هذه الحركة في القوة والاندفاع حتى سادت خلال القرن العشرين. وانتقل الشعر نقلة كبرى خرجت به إلى عوالم أرحب وأوسع، فتنوعت اتجاهاته ومدارسه، وأدَّت مدارس الشعر في العصر الحديث مثل مدرسة الإحياء والديوان وأبولو والمهجر والمدرسة الحديثة دورًا مقدرًا في بلورة اتجاهات الشعر والخروج بها من التجريب والتنظير إلى التطبيق والانطلاق. انظر: الشعر.
ويُعد الشاعر محمود سامي البارودي (1839 - 1904م) رائد حركة الإحياء في الشعر العربي الحديث غير منازع. وأدى تلاميذه من بعده، أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وأحمد محرم ومن سلك مسلكهم، دورًا كبيرًا في بعث الحياة والفن معًا في بنية القصيدة العربية. وكانت ريادة هؤلاء النفر العامل الفاعل في تطور الشعر العربي في العصر الحديث وإعادته لعصره الذهبي، فهم بعدوا بالشعر عن تلك الأساليب الركيكة المبتذلة، حين نفثوا فيه قوة وإشراقًا، هي صنو لإشراق اللغة العربية وقوتها بعد جمودها، قبل عصر النهضة في تلك القوالب ذات الصيغ المزركشة المصطنعة.
وفق هذا الجيل إلى مد جسر فكري فني شعري يربط الماضي بالحاضر. فكان بعثهم للقصيدة العربية لايخلو من محافظة على موروثها وقيمها وإيقاعها وأوزانها. فالقصيدة لديهم فخمة الإيقاع، جزلة الألفاظ، قوية التعبير، رصينة المعنى، مواكبة متطلبات العصر وأحداثه.
وجد شعر هذه الفئة من رواد الإحياء والبعث صدى طيبًا في نفوس الشباب، وكان معظم هؤلاء الشباب ممن تفتحت عيونهم وعقولهم على ثقافات أجنبية. ويمثل أحمد شوقي اللبنة الثانية بعد البارودي في نهضة الشعر الحديث. فقد كان متصلاً اتصالاً واعيًا بالأدب العربي القديم، واستطاع أن يحيي نماذجه الرصينة كأشعار البحتري وأبي نواس وغيرهم. ومن هنا كان بعثه للقصيدة العربية الحديثة مستمدًا من إحيائه لنماذج الشعر القديم، وكوّن لنفسه أسلوبًا شعريًا أصيلاً جعله يجمع بين القديم والحديث، ومن ثمّ جاء أسلوبه جزلاً قويًا، فيه رصانة وحلاوة شعرية، وقدرةٌ على احتواء متطلبات عصره والتعبير عنها.
وهكذا حافظ شعراء مدرسة الإحياء على صورة القصيدة العربية من ناحية، كما جعلوها مقبولة ومعبرة عن عصرهم من ناحية أخرى. لكل ذلك استقطب شعرهم اهتمام معاصريهم، فنشرته الصحف، وذاع بين الناس، فتذوقوه لخلُّوه من الغريب والحوشي من اللفظ والزركشة والصنعة في الصياغة فأسر العقول والقلوب. وكان كل ذلك من عوامل تطور الشعر في العصر الحديث وبعثه.
ويظهر مع النصف الأول من القرن العشرين جيل جديد اتصل بالثقافة الأوروبية، والإنجليزية منها بوجه خاص، اتصالاً أعمق من اتصال الجيل الأول. ومن ثم اختلفت رؤيتهم لمهمة الشعر عن تلك التي كانت للجيل السابق، فعابوا على من سبقهم معالجتهم للموضوعات التقليدية التي لا يتجاوزونها. أما جيلهم فيرى أن الشعر تعبير ورصد لحركة الكون وأثرها في الذات الشاعرة، وهو تعبير عن النفس بمعناها الإنساني العام، وتعبير عن الطبيعة وأسرارها، وتصوير للعواطف الإنسانية التي تثور بها نفس الشاعر.
التف هذا الجيل حول حركة نقدية عرفت بجماعة الديوان. وكان أشهر روادها عباس محمود العقاد وعبد الرحمن شكري وإبراهيم عبد القادر المازني. وقد اتخذت مدرسة الديوان من شعر أحمد شوقي ميدانًا لتطبيق نظريتهم النقدية، كما جعلوا من أشعارهم ميدانًا لبث آرائهم ودعوتهم في كتابة الشعر وقيمه وصياغته وأشكاله.
أخذ تأثير الأدب الغربي على الأدب العربي يزداد وضوحًا منذ الثلاثينيات من القرن العشرين حين ظهرت مدرسة نقدية شعرية عرفت باسم جماعة أبولو، أسسها أحمد زكي أبو شادي وكان الشاعر علي محمود طه من أبرز أعضائها.
هذه الجماعة كانت أكثر مناداة بتطوير القصيدة العربية من مدرسة الإحياء ومدرسة الديوان، ويعزى ذلك إلى تأثرها بالمذهب الرومانسي في الشعر الغربي. كما تأثروا بشعراء المهجر أمثال إيليا أبي ماضي وميخائيل نعيمة ونسيب عريضة. وقد تركت مدرسة أبولو أثرًا لا ينكر في عدد من شعراء العالم العربي، فتأثر بها أبو القاسم الشابي من تونس والتيّجانيّ يوسف بشير من السودان وحسن القرشي من المملكة العربية السعودية وإلياس أبو شبكة من لبنان وغيرهم. وعلى يد هذه المدرسة أضحت القصيدة العربية تمتاز بسهولة في التعبير وبساطة في اللغة وتدفّق في الموسيقى، كما غلب على موضوعاتها التأمل والامتزاج بالطبيعة وشعر الحب والغناء بالمشاعر مع نزعة الألم والشكوى.
ويمثل الشعر العربي في المهجر امتدادًا لهذا الاتجاه الرومانسي في الشعر الحديث. فقد قامت في المهجر الأمريكي الشمالي الرابطة القلمية وفي الجنوبي العصبة الأندلسية. وظل شعرهم مثقلاً بهموم الوطن والمناجاة الفكرية والنفسية والتهويمات الصوفية. ومن أشهر شعرائهم إيليا أبو ماضي وميخائيل نعيمة وإلياس فرحات ورشيد أيوب.
أما في الأربعينيات من القرن العشرين فقد أخذت القصيدة العربية شكلها الذي استقرت عليه في قوالب الشعر الحُر، فانتقلت في صياغتها وأفكارها وموضوعاتها، وتعددت أصوات الشعراء، وتنوعت مدارسهم، وكثر عددهم. وكان من فرسان القصيدة الحديثة صلاح عبد الصبور في مصر والسياب والبياتي في العراق، ونزار قباني ونازك الملائكة في سوريا، ومحمد المهدي المجذوب والفيتوري في السودان.
يحمل الشعر الحديث أنماطًا من التعبير في مدرسة الحداثة، ويكتب الشاعران أدونيس ومحمود درويش ألوانًا من الشعر تختلف اختلافًا كبيرًا عما كانت عليه بدايات تطور القصيدة العربية في العصر الحديث، وإذا بالمسافة تبتعد تمامًا بين البارودي وشوقي وبين بلند الحيدري ويوسف الخال ونذير العظمة وأضرابهم.
كتاب العصر الحديث
الـنـثر في العصر الحديث. ظل النثر العربي يعاني حالة من التردي والقصور بدأت منذ عصور الدول الإسلامية المتتابعة وبلغت أوجها في العصر العثماني. وصار اهتمام الأدب والأدباء محصورًا في الصنعة اللفظية، فأكثروا من المحسنات البديعية ووجهوا لها عناية خاصة. وزاد الأمر سوءًا أن تسربت الألفاظ التُّركية إلى اللغة الفصحى، فانحصرت اللغة الفصحى بين طائفة المتأدبين وأهل العلم من شيوخ الأزهر، حين ضعف الحس بالعربية بين فئات المجتمع الأخرى.
ثم بدأت بنهاية القرن الثامن عشر حركة انبعاث في الأدب العربي الحديث أثّرت على الشعر والنثر معًا، وأدت إلى لون من النضج والازدهار. وكان من أظهر عوامل هذه النهضة في النثر الحديث ظهور لون جديد من الكتابة المرسلة المتحررة من إسار السجع وصنعة الجناس وقيود البديع. ويُعد المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي من رواد هذا اللون من النثر. وقد تأثّر بالجبرتي جيل من الكتاب الشباب تخلصوا من ضروب البديع وعمدوا إلى التعبير المرسل وكان من أشهرهم ناصيف اليازجي، وأحمد فارس الشدياق.
نهض النثر عقب ذلك نهضة واسعة، وتحرر تمامًا من تلك القيود البديعية، فسادت بين الكتاب والخطباء أساليب من الفصاحة والبلاغة والبيان تبعد عن التكلف والصنعة، وكان من أقطاب هذه المدرسة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في رسائله المشهورة والشيخ محمد عبده في مقالاته الاجتماعية والدينية، ومصطفى كامل في خطبه الوطنية السياسية، والأديب شكيب أرسلان في موضوعاته الأدبية. ويعقب هذا الجيل جيل آخر كان أشد تأثرًا بعوامل النهضة الفكرية والثقافية التي تركت سماتها في الأدب العربي الحديث. وينهض على عاتق هذا الجيل بناء جديد في النثر العربي الحديث كان من أشهر رجاله محمد حُسَيْن هيكل وعباس محمود العقاد وطه حسين وأضرابهم.
ومن العوامل الحاسمة في تطور النثر العربي الحديث وخروجه من وهدة التخلف والركاكة ما صاحب النهضة الأدبية في العصر الحديث من مد جسور الاتصال الفكري والثقافي بين الشرق والغرب عن طريق التعليم والبعثات والترجمة ودور الطباعة ومنشآت الصحف والمكتبات وما إلى ذلك من وسائل ثقافية وفكرية كان النثر فارس ميدانها غير منازع.
ومن أبرز فنون النثر في الأدب العربي الحديث ظهرت ألوان في التعبير ما كان للنثر سابق عهد بها، ومن أهم هذه الفنون:
المقالة. عرف العرب في تاريخهم الأدبي الرسائل الديوانية والإخوانية والأدبية فنًا نثريًا يعالج تارة قضايا سياسية أو اجتماعية أو أدبية، ويعبر بأخرى عن مشاعر ذاتية خاصة. وهذه الرسائل قد تطول في بعض منها وتصبح كتابًا قائمًا بذاته.
ولعلّ فن الرسالة في الأدب القديم هو أقرب الأشكال النثرية إلى فن المقالة في النثر الحديث، إلا أن نشأة المقالة في الأدب العربي الحديث ارتبطت أول أمرها بالصحافة، فتنوعت موضوعاتها بين أدبية ووطنية واجتماعية، ثم اتسع مجالها ليشارك في شؤون المجتمع وأحداثه المختلفة.
كان أسلوب المقالة أول أمره لا يخلو من الصنعة البديعية المتكلفة، ثم أخذ يتحرر من هذه القيود، ويميل إلى البساطة في التعبير، والتركيز على الفكرة، والعمق في المعالجة، مع الموضوعية والبعد عن الذاتية. كما أخذ يميل إلى الاختصار مراعاة لحيّز النشر وعجلة القارئ. أما موضوعاته فقد تنوعت بين السياسة والموضوعات العامة والعلاقات الاجتماعية والأحوال الاقتصادية والقضايا الأدبية والنقدية والنواحي التربوية والجوانب الدينية. وأصبحت المقالة هي المسيطرة على أعمدة النشر في مجالاته المختلفة ولها روادها وجمهورها. فلا غرو أن ذاع صيت معظم أدباء العصر بسبب مقالاتهم التي رفعت مكانتهم الأدبية. ومن أشهر كتَّابها محمد حُسَيْن هيكل وأحمد حسن الزيات والعقاد وطه حسين والمنفلوطي وغيرهم.
القصة والرواية. لم يعرف الأدب العربي القديم القصة أو الرواية شكلين فنيين قائمين بذاتهما. وكانت الأخبار الممتزجة بالخيال والتاريخ والأُسطورة أو قصص الأمثال أو أخبار الرواة تقوم مقام ذلك. ثم كانت كتب الجاحظ وما تحفل به في ثناياها من نوادر قصصية، إلى أن ظهر بديع الزمان الهمذاني في القرن الرابع الهجري، وعلى يديه ظهر فن المقامة الذي يحمل طابعًا قصصيًا لاينكر. وقد بلغت المقامة ذروتها الفنية على يد الحريري. انظر: المقامات.
وعندما تطلّع أدباء عصر النهضة في الأدب الحديث إلى التراث العربي يستلهمونه، كتب ناصيف اليازجي كتابه مجمع البحرين، وجعل منه طرائف أدبية وذخيرة لغوية وألوانًا بديعية في قالب قصصي يماثل ماكان يفعله بطل المقامات الأديب المكدي.
ثم كان كتاب حديث عيسى بن هشام لمحمد المويلحي وهو أهم مؤلف في العصر الحديث قرّب الشقة بين شكل المقامة القديم والرواية في شكلها الحديث. وقد صوّر المويلحي، في قالب روائي، جوانب متعددة من التغيير الاجتماعي الذي أصاب مصر حين تأثرت بالمدنية الغربية. وعبر عن هذا التغيير من وجهة نظر شخصية متخيّلة لقائد من قواد جيش محمد علي بعث من قبره بعد موته. وكان يصاحبه الراوي عيسى بن هشام وهو الكاتب نفسه. واتصلت حوادث حديث عيسى بن هشام في شكل مغامرات يسعى البطل من خلالها إلى أن يجد لنفسه مكانًا في هذه الحياة التي تبدلت عما كانت عليه. وكان كل فصل من فصول الكتاب يحمل صورة من صور تلك الحياة، يقربه من أسلوب القصة القصيرة وقالبها.
كما كانت الروايات المترجمة عن الفرنسية والإنجليزية تحظى بإقبال متزايد من القراء. أما الروايات التاريخية على يد جرجي زيدان فاستأثرت بنصيب وافر من اهتمام طبقة من قراء تلك الفترة.
وفي عام 1912م صدرت رواية زينب لمحمد حُسَيْن هيكل، وهي أول عمل يعكس فهمًا ونضجًا لأساليب الرواية الفنية الحديثة، وتعد باكورة لما أتى بعدها من روايات في الأدب العربي الحديث. ولكن الإبداع الروائي الجاد ظل قليلاً ونادرًا عقب رواية زينب حتى ظهر جيل من الكتاب المجيدين. وكان أشهرهم محمد فريد أبو حديد و علي أحمد باكثير والطيب صالح و محمد عبد الحليم عبد الله وسهيل إدريس فضلاً عن ذروة هذا الفن في الأدب الروائي نجيب محفوظ. انظر: الرواية.
أعلام الأدب العربي
أما القصة القصيرة بمفهومها الحديث فقد تأخرت بضع سنوات في نضجها الفني عن الرواية. فجذورها ترجع إلى الرُّبع الأول من القرن العشرين، وكان من روادها محمود تيمور ويحيى حقي. ثم دخل عدد من الكتاب عالم القصة القصيرة، وأصبحت فن العصر غير منازع، وحظيت بجمهور لا يقل عن جمهور الرواية، كما ناقشت كثيرًا من القضايا الاجتماعية والسياسية والفكرية، مستفيدة من قصرها وسرعة إيقاعها وعجلة الجمهور. فأضحت القصة أكثر جرأة وأشد تأثيرًا في حياة الناس ومجتمعاتهم من الرواية ذات النفس الطويل الهادئ. انظر: القصة القصيرة.
المسرحية. إن كان الأدب العربي القديم لم يعرف المسرحية لأسباب اختلف الدارسون حولها، فإن الأدب في العصر الحديث عرف شيئًا من بواكير الحركة المسرحية خلال الحملة الفرنسية على مصر والشام، ولكن الحياة الأدبية لم تتأثر كثيرًا بتلك المسرحيات التي كانت تقدم باللغة الفرنسية. وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر أنشئت دار الأوبرا في القاهرة لتعرض عليها الفرق الأجنبية مسرحياتها التمثيلية والغنائية. أما في لبنان فقد سبق الفن التمثيلي مصر بسنوات حين أسس مارون النقاش فرقة من الهواة تولى أمرها بعد وفاته أخوه سليم النقاش الذي انتقل بفرقته من بيروت للإسكندرية.
وخلال تلك الفترة تعددت الفرق المسرحية في مصر وكان من أشهرها فرقة يعقوب صنوع وفرقة سليمان القرداحي وفرقة أبي خليل القباني وفرقة إسكندر فرح. وكانت هذه الفرق تقدم روايات فرنسية مترجمة أو ممصرة حتى تناسب ذوق الجمهور. وأكثر تلك المسرحيات نقد للحياة الاجتماعية والأخلاقية.
وفي أوائل القرن العشرين نهض فن المسرح في مصر نهضة عظيمة على يد عزيز عيد و جورج أبيض. ففي عام 1912م ظهرت جمعية أنصار التمثيل وقدمت مسرحًا يقوم على قواعد علمية صحيحة، ازدهر فيه نشاط التمثيل والتأليف. ويعد محمد عثمان جلال رائدًا من رواد الفن المسرحي، حيث قام بتعريب مسرحيات موليير الهزلية بأسلوب صحيح.
بدأ فن التأليف للمسرح على يد فرسان ثلاثة هم: فرح أنطوان، الذي كتب مسرحية مصر الجديدة ومصر القديمة (1913م)، وهي رؤية اجتماعية عن عيوب المجتمع بسبب مساوئ الحضارة الغربية ومفاسدها. وبعدها بعام كتب مسرحية تاريخية هي السلطان صلاح الدين ومملكة أورشليم، وهي أفضل من سابقتها في دقة رسم شخوصها، وحيوية حوارها وتصميمها المسرحي، وتحكي عن الصراع الحاد بين شجاعة الشرق المسلم ومكر الاستعمار الغربي. وثاني هؤلاء الرواد هو إبراهيم رمزي الذي كتب أبطال المنصورة (1915م)، وهي مسرحية تاريخية تصوّر جانبًا من حياة البطولة العربية الإسلامية أثناء الحروب الصليبية. والثالث هو محمد تيمور، الذي درس التمثيل في فرنسا بعد تخرجه في كلية الحقوق، فكتب أربع مسرحيات هي العصفور في قفص؛ عبد السَّتار أفندي؛ الهاوية؛ العشْرَة الطيبة.
وازدهرت الحركة المسرحية حين كثرت الفرق والجمعيات القائمة على دراسة التمثيل والتأليف المسرحي. وارتبط أدباء العرب بأصول هذا الفن في الغرب، فترسخ أسسه في العالم العربي تمثيلاً وتأليفًا، إلى أن ظهر رائد المسرح العربي الحديث توفيق الحكيم الذي يعد أقوى دعائم المسرح العربي الحديث، إذ تخصص في الكتابة له وكان شغوفًا بالأعمال المسرحية، كما نقل اتجاهات المسرح الحديث في الغرب إلى مسرحنا العربي، وأربت مسرحياته على الأربعين.
انفتح مجال التأليف المسرحي فدخل إلى حلبته عدد كبير من الكتّاب العرب، وتجاوز نطاقه مصر وبيروت، كما تنوعت لغته بين النثر والشعر، ووجدت المسرحية الشعرية مكانها اللائق بها. أما من ناحية الأفكار والموضوعات فقد تنوعت دلالاتها بين السياسية والاجتماعية والفكرية والفلسفية والصوفية. وأصبح المسرح، بحق، أبًا لكل الفنون، كما وجد من الجمهور إقبالاً واحتفالاً لا يقل عن الاحتفال بدُنْيا القصص والروايات.