1 إنقاذ وول ستريت من الغرق الثلاثاء فبراير 09, 2010 11:55 pm
doukkala
مشرف عام
اشتغل أندرو روس سوركن، المسؤول عن زاوية الدمج والشراء في صحيفة نيويورك تايمز على مدى عشر سنوات، كمحترفٍ في "الصحافة المطّلعة"، لفترة طويلة على إغناء مصادر معلوماته في وول ستريت وواشنطن. وها هو ينشر اليوم عرضاَ تاريخيّاً مفصّلاً للأزمة المالية في خلال العامين 2007-2008 انطلاقاً من حوالى مائتي حديث مع أطرافها الرئيسيين من دون احتساب دخوله على رسائلهم الالكترونية وملاحظاتهم وسائر وثائقهم الشخصيّة [1].
وقد نجح الكاتب في وضع كتابٍ مثيرٍ ومشوّق انطلاقاً من قصّةٍ جرى التعليق عليها بكثرة وخاتمتها معروفة. ففي هذا العمل بالطبع كشفٌ لبعض الأسرار: ومنها مثلاً أنّ برنامج "Trouble Assets Relief Program, TARP" لضخّ الرساميل إلى المصارف، الذي قيل إنّه جاء ابن ساعته، قد كان في الحقيقة حاضراً في أدراج وزارة المال منذ خمسة أشهر؛ أو حكاية اللقاء المفاجئ (وقيل إنّه سرّي) في موسكو، في صيف العام 2008، بين أعضاء مجلس إدارة غولدمان ساكس ووزير المال هنري بولسون الذي كان سابقاً رئيسها. لكن أهمّية كتاب سوركن الأساسيّة تكمن في كونه، عبر إعادة صياغته الدقيقة للمناورات الكبرى والحسابات الصغيرة، قد سلّط الضوء على "ثقافة" وول ستريت.
فالإيديولوجيا والقيم وذهنية التواطؤ التي انطبعت بها نفوس ممثّلي المؤسّسات المالية كما ممثلي السلطات العامة تفضح الكثير حول بعض الخيارات؛ مثلاً خيار تسديد كامل عمليات مشتقّات القروض [2] للمصارف في إطار إنقاذ شركة التأمين "أميركان انترناشيونال غروب" (AIG). ومن جهة أخرى كيف اعتمدوا جميعاً أسلوباً معيّناً لا يوحي بالتفكير الجدّي: مثل الشتم بسهولة؛ والأحاديث المصطنعة لكن الموجّهة بقوّة السلطة؛ والحركة الدائمة وشبه الضرورية للتوازن، وهاتف "البلاكبيري" في متناول اليد دائماً.
وفي صلب هذا النظام، هناك التشبّث بالتعويضات والعلاوات المحرّمة. ففي أحد الاجتماعات المفصليّة في واشنطن، وقد دعا إليه وزير المال الرؤساء التسعة للمؤسّسات المالية لكي يبلغ عن عملية تأميمٍ جزئيّة مقابل إعادة الرسملة، نجد السيد جون ثاين، مدير ميريل لينش، الذي أوصل شركته إلى حافّة الهاوية يستجوب الرسميين سائلاً: "ما هي الضمانات التي ستقدّمونها إلينا في مجال تعويضاتنا؟".
ويرى سوركن أنّ الأزمة "قد أطاحت بفكرة أنّ عباقرة المال قد أنشؤوا عصراً جديداً من الأرباح بمخاطرٍ محدودة، وأن العبقريّة الماليّة على الطريقة الأميركية تشكّل المعيار الذهبي العالمي". لكن هذا يبقى موضع شكّ، إذ أنّ إعادة تكوين الإطار التنظيمي ما تزال في غرفة الانتظار؛ وتجدّدت الرهانات المتهوّرة المترافقة مع العلاوات الجنونيّة؛ والذين تسبّبوا بالانهيار ما يزالون ممسكين بزمام الأمور. فربّما يكون المطلوب هو بكلّ بساطة أن يتغيّر كلّ شيء كي لا يتغيّر أي شيء، كما يقول "ترانكريدي" في كتابه الفهد (Le Guépard).
* أستاذ مساعد في جامعة "تافتز" (مدفورد، ماساتشوستس، الولايات المتحدة). من مؤلفاته: Propagande impériale & guerre financière contre le terrorisme, Agone - Le Monde diplomatique, Marseille-Paris, 2007. The Financial War on Terror, I.B. Tauris, Londres, 2005.
[1] Andrew Ross Sorkin, Too Big to Fail : The Inside Story of How Wall Street and Washington Fought to Save the Financial System – and Themselves, Viking, New York, 2009, 660 pages, 32,95 dollars.
[2] مشتقّات القروض هي وسائل مالية تساعد في تحويل كامل المخاطر الناتجة عن قرضٍ ما، أو قسمٍ منه. وهي كانت في صلب أزمة القروض العقارية المجازفة (subprime).
وقد نجح الكاتب في وضع كتابٍ مثيرٍ ومشوّق انطلاقاً من قصّةٍ جرى التعليق عليها بكثرة وخاتمتها معروفة. ففي هذا العمل بالطبع كشفٌ لبعض الأسرار: ومنها مثلاً أنّ برنامج "Trouble Assets Relief Program, TARP" لضخّ الرساميل إلى المصارف، الذي قيل إنّه جاء ابن ساعته، قد كان في الحقيقة حاضراً في أدراج وزارة المال منذ خمسة أشهر؛ أو حكاية اللقاء المفاجئ (وقيل إنّه سرّي) في موسكو، في صيف العام 2008، بين أعضاء مجلس إدارة غولدمان ساكس ووزير المال هنري بولسون الذي كان سابقاً رئيسها. لكن أهمّية كتاب سوركن الأساسيّة تكمن في كونه، عبر إعادة صياغته الدقيقة للمناورات الكبرى والحسابات الصغيرة، قد سلّط الضوء على "ثقافة" وول ستريت.
فالإيديولوجيا والقيم وذهنية التواطؤ التي انطبعت بها نفوس ممثّلي المؤسّسات المالية كما ممثلي السلطات العامة تفضح الكثير حول بعض الخيارات؛ مثلاً خيار تسديد كامل عمليات مشتقّات القروض [2] للمصارف في إطار إنقاذ شركة التأمين "أميركان انترناشيونال غروب" (AIG). ومن جهة أخرى كيف اعتمدوا جميعاً أسلوباً معيّناً لا يوحي بالتفكير الجدّي: مثل الشتم بسهولة؛ والأحاديث المصطنعة لكن الموجّهة بقوّة السلطة؛ والحركة الدائمة وشبه الضرورية للتوازن، وهاتف "البلاكبيري" في متناول اليد دائماً.
وفي صلب هذا النظام، هناك التشبّث بالتعويضات والعلاوات المحرّمة. ففي أحد الاجتماعات المفصليّة في واشنطن، وقد دعا إليه وزير المال الرؤساء التسعة للمؤسّسات المالية لكي يبلغ عن عملية تأميمٍ جزئيّة مقابل إعادة الرسملة، نجد السيد جون ثاين، مدير ميريل لينش، الذي أوصل شركته إلى حافّة الهاوية يستجوب الرسميين سائلاً: "ما هي الضمانات التي ستقدّمونها إلينا في مجال تعويضاتنا؟".
ويرى سوركن أنّ الأزمة "قد أطاحت بفكرة أنّ عباقرة المال قد أنشؤوا عصراً جديداً من الأرباح بمخاطرٍ محدودة، وأن العبقريّة الماليّة على الطريقة الأميركية تشكّل المعيار الذهبي العالمي". لكن هذا يبقى موضع شكّ، إذ أنّ إعادة تكوين الإطار التنظيمي ما تزال في غرفة الانتظار؛ وتجدّدت الرهانات المتهوّرة المترافقة مع العلاوات الجنونيّة؛ والذين تسبّبوا بالانهيار ما يزالون ممسكين بزمام الأمور. فربّما يكون المطلوب هو بكلّ بساطة أن يتغيّر كلّ شيء كي لا يتغيّر أي شيء، كما يقول "ترانكريدي" في كتابه الفهد (Le Guépard).
* أستاذ مساعد في جامعة "تافتز" (مدفورد، ماساتشوستس، الولايات المتحدة). من مؤلفاته: Propagande impériale & guerre financière contre le terrorisme, Agone - Le Monde diplomatique, Marseille-Paris, 2007. The Financial War on Terror, I.B. Tauris, Londres, 2005.
[1] Andrew Ross Sorkin, Too Big to Fail : The Inside Story of How Wall Street and Washington Fought to Save the Financial System – and Themselves, Viking, New York, 2009, 660 pages, 32,95 dollars.
[2] مشتقّات القروض هي وسائل مالية تساعد في تحويل كامل المخاطر الناتجة عن قرضٍ ما، أو قسمٍ منه. وهي كانت في صلب أزمة القروض العقارية المجازفة (subprime).