1 معركة الهري بقيادة موحا اوحمو الزياني, الإثنين مارس 15, 2010 3:11 am
admin
Admin
معركة الهري بقيادة موحا اوحمو الزياني,
تعتبر معركة لهري الملحمية، و التي وقعت يوم 13 نونبر 1914، من أهم المعارك التي خاضها الزيانيون ضد المحتل الفرنسي الذي استهدف إذلال الأطلسيين وتركيعهم، واستنزاف خيراتهم واغتصاب ممتلكاتهم، والتصرف في مواردهم وأرزاقهم،والتحكم في رقابهم وحرياتهم التي عاشوا من أجلها.
فماذا تعرف عن معركة الهري؟
أ- دوافــــع معركة لهري:
قرر المحتل الفرنسي إخضاع جبال الأطلس الكبير والمتوسط والصغير قصد تطويق المقاومة ومحاصرتها برا وجوا وبحرا من أجل فرض الأمن واستتباب الطمأنينة في نفوس المعمرين الأجانب لاستغلال المغرب واستنزاف خيراته الاقتصادية. لكن احتلال المغرب ضمن أبعاد فرنسا الاستعمارية ونواياها المبيتة لن يكون في صالح الحكومة الحامية إلا بالاستيلاء على الأطلس المتوسط باعتباره ممرا إستراتيجيا يفصل الشمال عن الجنوب، ويفصل أيضا الغرب عن الشرق، ويهدد كذلك وجود فرنسا بالجزائر ومدينة وجدة والمغرب الشرقي الجنوبي، ويهدد كل المناطق المتاخمة للحدود الجزائرية.
كما يكتسي الأطلس المتوسط أهمية جغرافية واقتصادية على المستوى المائي والفلاحي والغابوي؛ لكونه منبعا لكثير من الأنهار والمصبات بفضل كثرة الثلوج المتساقطة على المنطقة، والتي تتحول إلى مجار وينابيع وعيون مائية تنساب في الكثير من الأنهار كنهر أم الربيع ونهر ملوية ووادي العبيد. وبالتالي، تساهم هذه الأنهار والأودية في إنشاء السدود وتوليد الطاقة الكهربائية، فضلا عن توفر الأطلس المتوسط على خط المواصلات المباشر الذي يربط بين مراكش وفاس عبر أم الربيع وخنيفرة.
وقد دفع هذا الوضع الإستراتيجي الإقامة الفرنسية بالرباط إلى التفكير في احتلال الأطلس المتوسط لفتح الطرق والممرات البرية لتسهيل التواصل بين فاس ومراكش وتسخير خيرات الجبال لصالح فرنسا التي كانت تخوض حربا كونية ضد دول المحور التي كانت تتزعمها الإمبراطورية الألمانية بقيادة بسمارك. كما أن أغلب المقاومين الذين كانوا يحاربون فرنسا كانوا يحتمون بجبال الأطلس المتوسط ولاسيما المقاومين الزيانيين.
و قد أثبت ليوطي المقيم العام بالمغرب في 2 ماي 1914م دوافع احتلال الأطلس المتوسط حينما صرح قائلا:" إن بلاد زيان تصلح كسند لكل العصاة بالمغرب الأوسط، وإن إصرار هذه المجموعة الهامة في منطقة احتلالنا، وعلاقتها المستمرة مع القبائل الخاضعة، يكون خطرا فعليا على وجودنا، فالعصاة المتمردون والقراصنة مطمئنون لوجود ملجإ وعتاد وموارد، وقربها من خطوط محطات الجيش ومناطق الاحتلال جعل منها تهديدا دائما لمواقعنا، فكان من الواجب أن يكون هدف سياستنا، هو إبعاد كل الزيانيين بالضفة اليمنى لأم الربيع".
ونفهم من خلال هذا التصريح أن خوض المعركة ضد الزيانيين بجبال الأطلس المتوسط فرضته دوافع إستراتيجية تتمثل في محاصرة المقاومة التي كانت تساعد القبائل المجاورة والسهول المحتلة من قبل على التحرر والانعتاق من قبضة المحتل الفرنسي الذي بذل مجهودات جبارة من أجل السيطرة عليها وتطويعها.
ب- سيـــاق معركة لهري ومراحلها:
بعد معارك ضارية في منطقة تادلا إلى جانب رفيقه في المقاومة موحا أو سعيد، تراجع أوحمو الزياني إلى مدينة خنيفرة التي كان قائدا لها، فجمع الزيانيين ووحد القبائل بالأطلس المتوسط وتحالف مع القبائل الأطلسية المجاورة، فكون جيشا قويا مدربا على الرغم من نقص العتاد والأسلحة والمؤن التي تؤلهم للاستمرار في المعركة مدة طويلة.
ولما فشل الفرنسيون في استمالة موحا أوحمو وإغرائه وتسويفه، قررت القوات الغازية بقيادة الكولونيل هنريس Henrys أن تشن حرب الإبادة ضده وضد القبائل الأمازيغية وخاصة قبيلة زيان المعروفة بالشجاعة النادرة وقوة الشكيمة كما يعترف بذلك الجنرال گيوم :" لاتكمن قوة الزيانيين في كثرة عددهم بقدر ماتكمن في قدرتهم على مواصلة القتال بالاعتماد على ماكانوا يتحلون به من بسالة وتماسك وانتظام، وأيضا بفضل مهارة فرسانهم البالغ عددهم 2500 رجل، فكانوا بحق قوة ضاربة عركتها سنوات طويلة من الاقتتال. كما كانت أيضا سرعة الحركة والإقدام إلى جانب القدرة العفوية على المخاتلة في الحرب من الصفات المميزة لمقاتليهم..."
ويتبين لنا من هذا الاعتراف الذي صرح به قائد القوات الأجنبية أن الزيانيين بقيادة موحا أوحمو كانوا من المقاومين الأشداء، ومن المناضلين المتمرسين على فنون الحرب والقتال، يمتازون بالقوة والشجاعة، والاستشهاد في سبيل الله والاعتماد على الإيمان في خوض حروبهم ضد المستعمرين المحتلين، و اختيار حرب العصابات وأسلوب الكر والفر والمقاومة الشعبية السريعة والخاطفة في مواجهة الأعداء المتغطرسين وسحقهم.
وعلى أي، فقد دخل الفرنسيون بقيادة الكولونيل هنريس مدينة خنيفرة في 12 يونيو 1914م بجيش تجاوز تعداده ثلاثين ألف محارب، فاضطر القائد موحا أو حمو الزياني إلى إخلائها والاحتماء بالجبال المجاورة للمدينة، فبدأ يشن هجماته المرات والمرات على مدينة خنيفرة، ودخل مع المحتل في مناوشات واصطدامات كثيرة انتهت بخسائر جسيمة في صفوف الجيش الفرنسي.
هذا، وقد تعسكر موحا أوحمو مع أتباعه في مخيم بمنطقة لهري استعدادا لكل هجوم مباغت وفرارا من مدينة خنيفرة التي سيطر عليها الكولونيل هنريس، وتقع قرية لهري على مسافة 15 كيلومترا من خنيفرة.
ولما علم الكولونيل بوجود موحا أوحمو الزياني بمعسكر لهري مع أتباعه القليلي العدد، استغل ليلة شتاء 13 نوفمبر 1914م لمباغتة المقاومين داخل مخيمهم بعد أن أباد الأطفال والشيوخ والنساء بدون رحمة. وهكذا، بادر الجيش الفرنسي بقوات حاشدة لتطويق المقاومة بصفة نهائية، وهنا يقول محمد المعزوزي:" وقام بتنفيذ خطته يوم 12 نونبر، حيث تحرك بأربع فرق تضم 1300 جندي، معززة بالمدفعية، وتوجه إلى معسكر لهري حيث قام بهجوم مباغت على الدواوير ومكان المجاهدين".
وكانت المعركة التي ظنها المستعمر الفرنسي سهلة المرامي، فإذا بها تصبح بفضل شجاعة المقاومين الأشداء حربا حامية الوطيس تلطخت بدماء القتلى وجثث الغزاة التي افترشت الثرى بعد الهجوم العسكري الفاشل:" لقد كان الهجوم على معسكر الزياني عنيفا، حيث بدأ في الساعة الثالثة صباحا، وتم تطويق المعسكر من أربعة جهات في آن واحد، ليبدأ القصف شاملا، حيث قذفت الخيام المنتصبة التي تحتوي الأبرياء، وقام الجنود بأمر من لاڤيردور بمهاجمة القبائل المحيطة بالقرية، فيما استغل البعض الآخر – الجنود- الفرصة لجمع القطيع الموجود من الأغنام والأبقار، واختطاف النساء توهما بالنصر.
هذا في الوقت الذي كان فيه حشد آخر يقصد الجبل لتمشيطه من المقاومة، وبذلك تحولت منطقة لهري إلى جحيم من النيران، وسمعت أصوات الانفجارات في كل المناطق المجاورة، وظن قائد الحملة العسكرية على لهري أن النصر حليفه، وأنه وضع حدا لمقاومة الزياني.
غير أنه أصيب بخيبة أمل حينما فوجئ برد عنيف من طرف المقاومين ليدرك بعد ذلك أنه ألقى بنفسه وبقوته في مجزرة رهيبة ودوامة لاسبيل للخروج منها."
بيد أن المعركة ستحسب لصالح موحا أوحمو الزياني بعد أن تحالفت معه القبائل المجاورة، والتي حضرت بسرعة خاطفة خاصة إشقرين وآيت بوحدو وآيت نوح وآيت بويشي وآيت شارط وآيت بومزوغ وآيت خويا وآيت إحند وآيت يحيى وآيت سخمان وآيت إسحق تسكارت وآيت بوحدو ولمرابطين وقبائل زيان. وقد حاصرت هذه القبائل جميعها الجنود الفرنسيين من كل النواحي، وطوقتهم بشكل مباغت ومفاجئ، فواجهتهم بكل الأسلحة الموجودة لديهم من بنادق وفؤوس وخناجر، وقد أبانت هذه القبائل عن محبتها للقائد موحا أوحمو وعن روح قتالية عالية ورغبة كبيرة في الانتقام من الغزاة الطامعين.
وقد أظهرت الحرب هزيمة الفرنسيين بعد مقتل الكثير من الجنود والضباط ؛ مما جعل القواد يطلبون مزيدا من التعزيزات والوحدات الإضافية، لكن موحا أوحمو لم يترك لهم فرصة الانسحاب، فتتبع قواتهم الفارة، فحاصرها من كل النواحي إلى أن فتك بالكولونيل لاڤريدور عند نقطة بوزال؛ مما اضطر باقي جنوده إلى الإذعان والاستسلام لقائد قبائل زيان، بعد أن تمكن المقاوم موحا أو حمو من القضاء على نصف القوات الغازية المعتدية.
ت- نتائــج المعركة:
حققت معركة لهري التي قادها البطل المقاوم موحا أو حمو برفقة الزيانيين والقبائل المتحالفة نتائج إيجابية على جميع الأصعدة، ولاسيما أنها كبدت المستعمر المحتل عدة خسائر في العتاد والأرواح البشرية، فكانت بمثابة فاجعة مأساوية بالنسبة للفرنسيين حتى قال الجنرال " كيوم " Guillaumeأحد الضباط الفرنسيين الذين شاركوا في الحملة على قبائل الأطلس المتوسط في مؤلفه "البربر المغاربة وتهدئة الأطلس المتوسط (1939/1912): "لم تمن قواتنا قط في شمال إفريقيا بمثل هذه الهزيمة المفجعة"•
وقد بين محمد المختار السوسي في كتابه "المعسول" بأن معركة لهري أسفرت عن مقتل أكثر من عشرين شخصية عسكرية ذات الرتب العالية ناهيك عن أسر الكثير من الجنود، وفي هذا الصدد يقول :" ومن أكبر الوقائع في الحروب وقعة الهري التي استوصل(قتل) فيها رؤساء جنود الفرنسيين أكثر من 20 فيهم الكولونيلات(colonels) والقبطانات (capitains) والفسيانات(officiers)، وتفصيلها أن العسكر الفرنسي تقدم بقوة عظيمة وتوغل في تلك الجبال إلى أن وصل الهري المذكور، فانقض عليه عسكر زيان (بزعامة موحا أو حمو الزياني) ومن معهم وسدوا عليهم المسالك التي سلكوها وجعلوا يقتلونهم كيف يشاؤون ويأسرون إلى أن أفنوهم".
وقد ترتبت عن هذه المعركة مقتل 33 قتيلا من الضباط و650 قتيل من الجنود و176 جريح، وغنم المقاومون المغاربة كثيرا من العتاد العسكري الحديث، فحصلوا على 3مدافع كبيرة و10مدافع رشاشة وعدد كبير من البنادق وعشرات الخيول المحملة بالذخيرة الحربية والمؤن.
ج - مصير مقاومة موحا أوحمو الزياني:
خاض موحا أو حمو الزياني بعد معركة لهري عدة معارك ضد القوات الفرنسية حقق فيها نتائج إيجابية، حيث فرض القائد موحا أوحمو الحصار على مدينة خنيفرة، وهاجم رجاله قوافل التموين المتجهة إليها إبان فترة الحرب العالمية الأولى. لكن تطويق فرنسا للمقاومين الزيانيين الذين أحسوا بالتعب والإعياء والبؤس، ومحاصرتهم لهم برا وجوا عن طريق قنبلة القرى بالطائرات، بالإضافة إلى صعوبة التضاريس التي حالت دون تسهيل ربط الاتصالات والتحالفات مع القبائل الأطلسية المجاورة. فقد جعل كل هذا موحا أو حمو الزياني يستبسل بشرف وشجاعة قل نظيرها في آخر معركة بطولية يخوضها ضد المحتل الفرنسي الغاشم وهي معركة أزلاغن تزمورت بنواحي تملاكت يوم 27 مارس 1921م، حيث أصيب موحا أو حمو برصاصة العدو الاستعماري التي أودته شهيدا، وكانت تلك الرصاصة بمثابة تأشير على نهاية لمقاومة بطولية شرسة دامت ست سنوات من المقاتلة والعراك المظفر الباسل، أظهرت بكل جلاء ووضوح للعدو الفرنسي شجاعة المقاومين المغاربة.
تعتبر معركة لهري الملحمية، و التي وقعت يوم 13 نونبر 1914، من أهم المعارك التي خاضها الزيانيون ضد المحتل الفرنسي الذي استهدف إذلال الأطلسيين وتركيعهم، واستنزاف خيراتهم واغتصاب ممتلكاتهم، والتصرف في مواردهم وأرزاقهم،والتحكم في رقابهم وحرياتهم التي عاشوا من أجلها.
فماذا تعرف عن معركة الهري؟
أ- دوافــــع معركة لهري:
قرر المحتل الفرنسي إخضاع جبال الأطلس الكبير والمتوسط والصغير قصد تطويق المقاومة ومحاصرتها برا وجوا وبحرا من أجل فرض الأمن واستتباب الطمأنينة في نفوس المعمرين الأجانب لاستغلال المغرب واستنزاف خيراته الاقتصادية. لكن احتلال المغرب ضمن أبعاد فرنسا الاستعمارية ونواياها المبيتة لن يكون في صالح الحكومة الحامية إلا بالاستيلاء على الأطلس المتوسط باعتباره ممرا إستراتيجيا يفصل الشمال عن الجنوب، ويفصل أيضا الغرب عن الشرق، ويهدد كذلك وجود فرنسا بالجزائر ومدينة وجدة والمغرب الشرقي الجنوبي، ويهدد كل المناطق المتاخمة للحدود الجزائرية.
كما يكتسي الأطلس المتوسط أهمية جغرافية واقتصادية على المستوى المائي والفلاحي والغابوي؛ لكونه منبعا لكثير من الأنهار والمصبات بفضل كثرة الثلوج المتساقطة على المنطقة، والتي تتحول إلى مجار وينابيع وعيون مائية تنساب في الكثير من الأنهار كنهر أم الربيع ونهر ملوية ووادي العبيد. وبالتالي، تساهم هذه الأنهار والأودية في إنشاء السدود وتوليد الطاقة الكهربائية، فضلا عن توفر الأطلس المتوسط على خط المواصلات المباشر الذي يربط بين مراكش وفاس عبر أم الربيع وخنيفرة.
وقد دفع هذا الوضع الإستراتيجي الإقامة الفرنسية بالرباط إلى التفكير في احتلال الأطلس المتوسط لفتح الطرق والممرات البرية لتسهيل التواصل بين فاس ومراكش وتسخير خيرات الجبال لصالح فرنسا التي كانت تخوض حربا كونية ضد دول المحور التي كانت تتزعمها الإمبراطورية الألمانية بقيادة بسمارك. كما أن أغلب المقاومين الذين كانوا يحاربون فرنسا كانوا يحتمون بجبال الأطلس المتوسط ولاسيما المقاومين الزيانيين.
و قد أثبت ليوطي المقيم العام بالمغرب في 2 ماي 1914م دوافع احتلال الأطلس المتوسط حينما صرح قائلا:" إن بلاد زيان تصلح كسند لكل العصاة بالمغرب الأوسط، وإن إصرار هذه المجموعة الهامة في منطقة احتلالنا، وعلاقتها المستمرة مع القبائل الخاضعة، يكون خطرا فعليا على وجودنا، فالعصاة المتمردون والقراصنة مطمئنون لوجود ملجإ وعتاد وموارد، وقربها من خطوط محطات الجيش ومناطق الاحتلال جعل منها تهديدا دائما لمواقعنا، فكان من الواجب أن يكون هدف سياستنا، هو إبعاد كل الزيانيين بالضفة اليمنى لأم الربيع".
ونفهم من خلال هذا التصريح أن خوض المعركة ضد الزيانيين بجبال الأطلس المتوسط فرضته دوافع إستراتيجية تتمثل في محاصرة المقاومة التي كانت تساعد القبائل المجاورة والسهول المحتلة من قبل على التحرر والانعتاق من قبضة المحتل الفرنسي الذي بذل مجهودات جبارة من أجل السيطرة عليها وتطويعها.
ب- سيـــاق معركة لهري ومراحلها:
بعد معارك ضارية في منطقة تادلا إلى جانب رفيقه في المقاومة موحا أو سعيد، تراجع أوحمو الزياني إلى مدينة خنيفرة التي كان قائدا لها، فجمع الزيانيين ووحد القبائل بالأطلس المتوسط وتحالف مع القبائل الأطلسية المجاورة، فكون جيشا قويا مدربا على الرغم من نقص العتاد والأسلحة والمؤن التي تؤلهم للاستمرار في المعركة مدة طويلة.
ولما فشل الفرنسيون في استمالة موحا أوحمو وإغرائه وتسويفه، قررت القوات الغازية بقيادة الكولونيل هنريس Henrys أن تشن حرب الإبادة ضده وضد القبائل الأمازيغية وخاصة قبيلة زيان المعروفة بالشجاعة النادرة وقوة الشكيمة كما يعترف بذلك الجنرال گيوم :" لاتكمن قوة الزيانيين في كثرة عددهم بقدر ماتكمن في قدرتهم على مواصلة القتال بالاعتماد على ماكانوا يتحلون به من بسالة وتماسك وانتظام، وأيضا بفضل مهارة فرسانهم البالغ عددهم 2500 رجل، فكانوا بحق قوة ضاربة عركتها سنوات طويلة من الاقتتال. كما كانت أيضا سرعة الحركة والإقدام إلى جانب القدرة العفوية على المخاتلة في الحرب من الصفات المميزة لمقاتليهم..."
ويتبين لنا من هذا الاعتراف الذي صرح به قائد القوات الأجنبية أن الزيانيين بقيادة موحا أوحمو كانوا من المقاومين الأشداء، ومن المناضلين المتمرسين على فنون الحرب والقتال، يمتازون بالقوة والشجاعة، والاستشهاد في سبيل الله والاعتماد على الإيمان في خوض حروبهم ضد المستعمرين المحتلين، و اختيار حرب العصابات وأسلوب الكر والفر والمقاومة الشعبية السريعة والخاطفة في مواجهة الأعداء المتغطرسين وسحقهم.
وعلى أي، فقد دخل الفرنسيون بقيادة الكولونيل هنريس مدينة خنيفرة في 12 يونيو 1914م بجيش تجاوز تعداده ثلاثين ألف محارب، فاضطر القائد موحا أو حمو الزياني إلى إخلائها والاحتماء بالجبال المجاورة للمدينة، فبدأ يشن هجماته المرات والمرات على مدينة خنيفرة، ودخل مع المحتل في مناوشات واصطدامات كثيرة انتهت بخسائر جسيمة في صفوف الجيش الفرنسي.
هذا، وقد تعسكر موحا أوحمو مع أتباعه في مخيم بمنطقة لهري استعدادا لكل هجوم مباغت وفرارا من مدينة خنيفرة التي سيطر عليها الكولونيل هنريس، وتقع قرية لهري على مسافة 15 كيلومترا من خنيفرة.
ولما علم الكولونيل بوجود موحا أوحمو الزياني بمعسكر لهري مع أتباعه القليلي العدد، استغل ليلة شتاء 13 نوفمبر 1914م لمباغتة المقاومين داخل مخيمهم بعد أن أباد الأطفال والشيوخ والنساء بدون رحمة. وهكذا، بادر الجيش الفرنسي بقوات حاشدة لتطويق المقاومة بصفة نهائية، وهنا يقول محمد المعزوزي:" وقام بتنفيذ خطته يوم 12 نونبر، حيث تحرك بأربع فرق تضم 1300 جندي، معززة بالمدفعية، وتوجه إلى معسكر لهري حيث قام بهجوم مباغت على الدواوير ومكان المجاهدين".
وكانت المعركة التي ظنها المستعمر الفرنسي سهلة المرامي، فإذا بها تصبح بفضل شجاعة المقاومين الأشداء حربا حامية الوطيس تلطخت بدماء القتلى وجثث الغزاة التي افترشت الثرى بعد الهجوم العسكري الفاشل:" لقد كان الهجوم على معسكر الزياني عنيفا، حيث بدأ في الساعة الثالثة صباحا، وتم تطويق المعسكر من أربعة جهات في آن واحد، ليبدأ القصف شاملا، حيث قذفت الخيام المنتصبة التي تحتوي الأبرياء، وقام الجنود بأمر من لاڤيردور بمهاجمة القبائل المحيطة بالقرية، فيما استغل البعض الآخر – الجنود- الفرصة لجمع القطيع الموجود من الأغنام والأبقار، واختطاف النساء توهما بالنصر.
هذا في الوقت الذي كان فيه حشد آخر يقصد الجبل لتمشيطه من المقاومة، وبذلك تحولت منطقة لهري إلى جحيم من النيران، وسمعت أصوات الانفجارات في كل المناطق المجاورة، وظن قائد الحملة العسكرية على لهري أن النصر حليفه، وأنه وضع حدا لمقاومة الزياني.
غير أنه أصيب بخيبة أمل حينما فوجئ برد عنيف من طرف المقاومين ليدرك بعد ذلك أنه ألقى بنفسه وبقوته في مجزرة رهيبة ودوامة لاسبيل للخروج منها."
بيد أن المعركة ستحسب لصالح موحا أوحمو الزياني بعد أن تحالفت معه القبائل المجاورة، والتي حضرت بسرعة خاطفة خاصة إشقرين وآيت بوحدو وآيت نوح وآيت بويشي وآيت شارط وآيت بومزوغ وآيت خويا وآيت إحند وآيت يحيى وآيت سخمان وآيت إسحق تسكارت وآيت بوحدو ولمرابطين وقبائل زيان. وقد حاصرت هذه القبائل جميعها الجنود الفرنسيين من كل النواحي، وطوقتهم بشكل مباغت ومفاجئ، فواجهتهم بكل الأسلحة الموجودة لديهم من بنادق وفؤوس وخناجر، وقد أبانت هذه القبائل عن محبتها للقائد موحا أوحمو وعن روح قتالية عالية ورغبة كبيرة في الانتقام من الغزاة الطامعين.
وقد أظهرت الحرب هزيمة الفرنسيين بعد مقتل الكثير من الجنود والضباط ؛ مما جعل القواد يطلبون مزيدا من التعزيزات والوحدات الإضافية، لكن موحا أوحمو لم يترك لهم فرصة الانسحاب، فتتبع قواتهم الفارة، فحاصرها من كل النواحي إلى أن فتك بالكولونيل لاڤريدور عند نقطة بوزال؛ مما اضطر باقي جنوده إلى الإذعان والاستسلام لقائد قبائل زيان، بعد أن تمكن المقاوم موحا أو حمو من القضاء على نصف القوات الغازية المعتدية.
ت- نتائــج المعركة:
حققت معركة لهري التي قادها البطل المقاوم موحا أو حمو برفقة الزيانيين والقبائل المتحالفة نتائج إيجابية على جميع الأصعدة، ولاسيما أنها كبدت المستعمر المحتل عدة خسائر في العتاد والأرواح البشرية، فكانت بمثابة فاجعة مأساوية بالنسبة للفرنسيين حتى قال الجنرال " كيوم " Guillaumeأحد الضباط الفرنسيين الذين شاركوا في الحملة على قبائل الأطلس المتوسط في مؤلفه "البربر المغاربة وتهدئة الأطلس المتوسط (1939/1912): "لم تمن قواتنا قط في شمال إفريقيا بمثل هذه الهزيمة المفجعة"•
وقد بين محمد المختار السوسي في كتابه "المعسول" بأن معركة لهري أسفرت عن مقتل أكثر من عشرين شخصية عسكرية ذات الرتب العالية ناهيك عن أسر الكثير من الجنود، وفي هذا الصدد يقول :" ومن أكبر الوقائع في الحروب وقعة الهري التي استوصل(قتل) فيها رؤساء جنود الفرنسيين أكثر من 20 فيهم الكولونيلات(colonels) والقبطانات (capitains) والفسيانات(officiers)، وتفصيلها أن العسكر الفرنسي تقدم بقوة عظيمة وتوغل في تلك الجبال إلى أن وصل الهري المذكور، فانقض عليه عسكر زيان (بزعامة موحا أو حمو الزياني) ومن معهم وسدوا عليهم المسالك التي سلكوها وجعلوا يقتلونهم كيف يشاؤون ويأسرون إلى أن أفنوهم".
وقد ترتبت عن هذه المعركة مقتل 33 قتيلا من الضباط و650 قتيل من الجنود و176 جريح، وغنم المقاومون المغاربة كثيرا من العتاد العسكري الحديث، فحصلوا على 3مدافع كبيرة و10مدافع رشاشة وعدد كبير من البنادق وعشرات الخيول المحملة بالذخيرة الحربية والمؤن.
ج - مصير مقاومة موحا أوحمو الزياني:
خاض موحا أو حمو الزياني بعد معركة لهري عدة معارك ضد القوات الفرنسية حقق فيها نتائج إيجابية، حيث فرض القائد موحا أوحمو الحصار على مدينة خنيفرة، وهاجم رجاله قوافل التموين المتجهة إليها إبان فترة الحرب العالمية الأولى. لكن تطويق فرنسا للمقاومين الزيانيين الذين أحسوا بالتعب والإعياء والبؤس، ومحاصرتهم لهم برا وجوا عن طريق قنبلة القرى بالطائرات، بالإضافة إلى صعوبة التضاريس التي حالت دون تسهيل ربط الاتصالات والتحالفات مع القبائل الأطلسية المجاورة. فقد جعل كل هذا موحا أو حمو الزياني يستبسل بشرف وشجاعة قل نظيرها في آخر معركة بطولية يخوضها ضد المحتل الفرنسي الغاشم وهي معركة أزلاغن تزمورت بنواحي تملاكت يوم 27 مارس 1921م، حيث أصيب موحا أو حمو برصاصة العدو الاستعماري التي أودته شهيدا، وكانت تلك الرصاصة بمثابة تأشير على نهاية لمقاومة بطولية شرسة دامت ست سنوات من المقاتلة والعراك المظفر الباسل، أظهرت بكل جلاء ووضوح للعدو الفرنسي شجاعة المقاومين المغاربة.