1 الروائي المغربي الحبيب الدائم ربي: مهما انتصرنا للحياة يظل الموت هو هاويتنا الجم الأربعاء يناير 27, 2010 7:06 am
admin
Admin
مبدع يحضن البحر بقلبه الكبير الذي يسع كل الأرض، خاصة إن كانت "بنورية" (نسبة إلى سيدي بنور) حيث مهجع الروح ومربط الصبا. كائن مشدود إلى المكان الدكالي( في إحالة إلى قبيلة دكالة الشهيرة) بشكل يكاد يكون وثوقيا. ما بين "الجديدة" و"سيدي بنور"يحرص مداد الانوجاد لديه على الحضور المتواصل .حيث أبدع في الرواية والقصة والنقد والعمود الصحفي. محققا بذلك رصيدا وافرا من الكتابة.
لن تعرف الحبيب الدائم ربي جيدا حتى تجلس إليه. وإذا جلست إليه حتما ستصاب بالغواية الكبرى. غواية عشق الصدق الإنساني والأريحية، والنهل من ينبوع مبدع أصيل. بمناسبة صدور روايته الأخيرة "زريعة البلاد" عن دار الأحمدية للنشر كان هذا الحوار:
* قلتَ مرة هناك، دوما، أسباب نزول ترافق العمل الإبداعي حتى خروجه إلى الوجود ، ترى ما هي أسباب النزول التي أطرت "زريعة البلاد"؟
** قد تكون تلك صيغة من صيغ الكلام ليس إلا. مادام العمل الإبداعي ليس وحيا يتنزل من السماء، وإنما هو انبجاس جواني لطاقة يتم تحريرها – في لحظة ما- عبر فائض قيمة من الصوغ الجمالي. إنه فعل مخاضي بعيد المدى تعمل مشترطات خارجية، أحيانا، على تسريع تحققه من دون أن تكون السبب الوحيد فيه. ولعل أكوام القش الذي قصمت ظهور بعراني (جمع بعير) في "زريعة البلاد" ، هي باختصار، ما خبرته شخصيا ، في السنوات الأخيرة ، من فقدان للخلان وتدمير للقيم والأوطان.
* "البنورية" حاضرة في "زريعة البلاد" كخلفية مكانية تسند العمل ككل، وتؤطر وجوده. كيف هي علاقتك بالمكان علما بأنك ظللت وفيا للمكان الأول (سيدي بنور)، وأنت حريص على أن تزاوج في إقامتك ما بين مدينة "الجديدة" و"سيدي بنور"؟
** آه من جرح المكان! البنورية مجرد استعارة لفضاء آخر بات ينأى مع الأيام هو منطقة الشعاب في الأقاصي من أرياف "دكالة"- الحاضنة لسلالات فريدة من الناس- حيث كرت طفولة بئيسة ورائعة بين الشناقر والفقر الجميل. هناك أيضا كنا غرباء كما نحن الآن في المدينة. مرارا استباح الأعداء أرضنا الصغيرة . مازلت أذكر، كما لم أنم ليلة، كيف كانت ثيران الحرث والجمال تدوس جسد الوالدة الضئيل الهش، وولد علال- هذا هو اسم الزلمة المرتزق- بسوطه ينهش ضلوعها بقسوة. كنت صغيرا ، حتى لا أقول جبانا،لا أقوى على الذود عن بقعة أرض ضيقة بحجم العالم. في المدينة أيضا عانينا كثيرا من ظلم حديثي النعمة وأدعياء التمدن لا لشيء إلا لكوننا كنا حتى السنوات القليلة الماضية كسلاحف تحمل بيوتها فوق ظهورها. أي لا نملك بيتا صغيرا يستر بداوتنا. من ثمة فعلاقتي بالمكان وثقى ومهزوزة معا لأن أحلامي وذكرياتي غير مستقرة في مكان بعينه كما كان ينبغي.
* هل هو نوع من رد الاعتبار للثقافة الشعبية في هذه الرواية، على اعتبار أنها تعرضت للإقصاء كما هو حال المناطق القروية النائية التي يتم الاحتفاء بها أيضا داخل هذا العمل؟
** ربما هو كذلك. بيد أنه رد اعتبار للرواية أيضا بإخراجها من وهم التمدن واستنساخ التجارب من الكتب لا من الحياة. أكثر من ذلك فرغم أنني خبرت المدينة وعشت بها أضعاف عيشي بالبادية إلا أنني أكثر دراية بروح الريف ونبضه من روح المدينة ونبضها.
* في أحد حواراتك الجريئة والدامية بواقعيتها كشفت عن طفولة صعبة وقاسية. كيف يمكن القول بوجود تقاطعات بين هذا المحكي الشبه سير ذاتي وبين خطوط ضامرة من واقع يقسو ويضغط علينا بكلكله؟
**حين أكون الشاهد الضحية والشهيد الحي لا أعرف كيف ولم علي افتعال الحياد . الحياد مؤامرة ضد تاريخ الأهل والسلالة. ليت اللغة كانت قادرة على الذهاب إلى أقصى ممكناتها لتصور الفاجعة. لا يتعلق الأمر هنا بمتخيل وكفى، ولا بمجاز مرسل يستعيد الذكريات بغير قليل من الافتعال. إنه نزف راعف أبدا . الخيال إهانة لواقع يفوق الخيال. لقد خبرت جيدا كيف تكون أقسى وأقصى درجات البؤس والفاقة مع الكبرياء حيث لا يلتقيان إلا ليزيدا الكية كيتين. لو طاوعت الأداة أكثر لكانت المقايسة مع ما عاناه هنري ميللر وغابرييل غارسيا ماركيز ومحمد شكرى مجرد دعابة . لا شيء يمحو من الذاكرة عذابات الصبا في البحث عن الخبز المر والكبرياء الصعب