1 ظاهرة نساء الموقف بآزمور، سوق مفتوحة : استغلال ، تحرش ، معاناة الجمعة يناير 20, 2012 2:22 am
admin
Admin
بلباسهن الذي لا تكاد تظهر منه إلا عيونهن ، يتربصن مع فجر كل صباح و هن ملتصقات أو مبعثرات في ذاك المكان الذي ألفهم و ألفوه ، ينتظرن بصمت و أناة من ينتشلهن ذاك الصبح للظفر بدريهمات يسكن جراح يومهم ، معاناة في ظل ظروف عمل صعبة و أجرة لا تغني و لا تسمن من جوع..
متعرضات لشتى أنواع الإذلال و الاحتقار و التحرش الجنسي و الاعتداءات ، وضعية تعيشها شريحة من أبناء هذا الوطن المكونة أساسا من النساء على اختلاف أعمارهن و مستوياتهن الدراسية فقد تجد ذات الإثنى عشر ربيعا و قد تجد ذات الستين سنة دون اعتبار لمدونة الشغل و لا اتفاقية حقوق الإنسان و لا هم يحزنون ، واقع مرير تتغاضى عنه عيون المسؤولين مستغلين إياه في أوقات حملاتهم الانتخابية ، إنه واقع نساء " الموقف " بآزمور و الضواحي.
سوق بشرية بطعم الانهزام:
كان تواجدي بالمكان المعهود قرب المحطة الطرقية لآزمور حوالي الساعة الرابعة صباحا ، مكان يطلق عليه " ساحة القامرة " حيث يبدو لك الفضاء على أنك بساحة موسم أو سوق أسبوعي لما يعرفه من حركية غير معهودة ، أجساد مكدسة من كل الأعمار تتهادى ذات اليمين و ذات الشمال و عيونها مشرئبة محملقة نحو كل قادم أو مغادر ، عالم آخر تختلط فيه أصوات بائعي الخبز و النعناع و أصحاب المقاهي المتنقلة ممزوجة بأصوات محركات الشاحنات و السيارات من نوع " بوجو " و " طويوطا " كل ما ترغب فيه نفسك تجده أمامك ، عالم فريد بحق و كلما ازدادت الدقائق كلما احتشد بالمكان نفر جديد من النساء من مختلف الأعمار بلباسهن الغريب الشكل " مغنبرات " لكثرة ما وضعن عليهن من ثياب و على رؤوسهن من مناديل و لذ لسببين ، الأول لكي يحمين أجسادهن قر البرد و كذا حر الصيف و الثاني ليستخفين عن عيون الناس حتى لا يتمكن من معرفتهن ما دامت هذه الحرفة لدى الكثير ذل و عار ، لا تظهر منهن إلا العيون أكثرهن جالسات يتربصن بكل قادم نحوهن ، يترقبن من يأتيهن بعمل لهذا اليوم الصعب ، إنهن نساء " الموقف " خليط من نساء متقدمات في السن و أخريات صغيرات منهن أميات جاهلات و منهن تلميذات و طالبات ، و حتى نقترب من الصورة أكثر و لو أنه شديدة القتامة اغتنمت الفرصة رغم كوني أعرف أنني لم أختر الفرصة ما الكل يترقب و يريد تضييع الفرصة عليه ، لكنني لم أتراجع ن فدنت مني واحدة و لم أكد أشرح لها الوضع حتى تراجعت مخبرة باقي زميلاتها ليتبادلن النظرات فيما بينهن ثم تتقدم عندي امرأة تبدو من خلال عينيها انه لم تتجاوز بعد الثلاثين ، ذات بنية قوية و نظرات حادة فصاحت في وجهي بدون مقدمات " لماذا تريدون الكتابة عنا غننا نعمل بدراعنا و عرق جبيننا ، كل ما نريده منكم هو مساعدتنا و إشعار الكبار بتوفير الشغل لنا و لأبنائنا ، اذهب و اكتب عن الذين يأكلون أرزاقنا و خيرات بلادنا " لتلتحق بها أخرى و بيدها كيس بلاستيكي تظهر منه كسرة خبز و بعضا من السكر و النعناع " الله يستر عليك أخويا راه حنا مكرفسين في الشتا والصيف ، راه نهار نخدمو و عشر أيام ماكنخدموش راه الذل هو الي عيشين فيه على حق اولادنا و والدينا"
دراهم بطعم العلقم:
واقع مرير و ثورة بدون حدود تلك التي عبرت عنها تلك النساء اللواتي يحضرن لهذا المكان في الساعات الأولى من صباح كل يوم منهن من تفوز بعمل بإحدى الضيعات أو الحقول المجاورة للمدينة و منهن من تعدن غائبات بخفي حنين متدمرات بعد انتظار طيل فلا هن بعمل و لا هن بنوم هادئ ، فضاء تكثر فيه المنافسة أمام فرص عمل قليلة حيث تكون الأجرة الزهيدة التي يحصلن عليها هي مصدر عيشهن مادمن عماد أسرهن و المعيل الوحيد لهم ، فهناك من يتكفل بوالديه و منهن من يتكفل بأبائه و زوجه كما هو حال رشيدة ذات العقد الثاني التي طلقها زوجها بطفلين و تنكر لهم مما جعلها مضطرة للعمل كموقفية لانعدام فرص الشغل بالمدينة لتلبية حاجيات طفليها اللذان يدرسان بالمدرسة و كذا أبويها الفقيرين ، لم ترغب أن تسلك ما سلكته بعض الفتيات من فساد و دعارة فهي تكتري غرفة بـ 200 درهما تمكت فيها رفقة اسرتها أما معدل مدخولها اليومي فهو في حدود 30 درهما ، أما رحمة التي جاوزت الخمسين فحظها أقل من رشيدة بحكم السن حيث تقول أن المشغلين لا يختارون إلا الصغيرات و " ما بقا فينا ما يدار راهم باغين الصغر و الزين " لذلك فهي لا تظفر بعمل إلا نادرا مما يجعلها تقوم بأعمال الخدمة في بعض البيوت أحيانا لسد حاجياتها و حاجيات زوجها العليل .أما الزوهرة فتاة ما زالت عازبة تشتغل لسد حاجياتها و حاجيات أمها الوحيدة ، فتقول " لولا ما نأخذه من خضرة و بيعها بنفسنا أو لبعض الخضارة لقتلنا الجوع راني عشر سنين و أنا على هذ الحال" .
إهانة ، تحرش و صبر:
ليس للحظ في هذه الظاهرة مكان و لا للزبونية و المحسوبية مقام بقدر ما وضع من مواصفات من قبل المشغلين أهمها صغر السن ، الصلابة و قوة التحمل ، الطاعة و الخنوع ، حسن القوام و نبرة الحديث الموزون و أن تكون سهلة المنال غير عصبية المزاج لغرض في نفس يعقوب ، ليتم شحنهن كالأبقار على ظهر الشاحنة لتصبح الأجساد متلاصقة و يعلو معها ذكر الصلاة على النبي ، أما الثمن فهو آخر شيء يمكن السؤال عنه لأنه يبقى حسب ما تم الاتفاق عليه بين المشغلين فلكل يوم ثمنه حسب أجواء الطقس و نوعية العمل حيث لا يتجاوز في أقصى الحدود 50 درهما.
لتبقى معاناة هؤلاء النساء اللواتي يقبعن معظمهن تحت وطأة الفقر و الجهل و الأمية لا تنحصر في الانتظار الطويل كيفما كانت أحوال الطقس و لا تنحصر في ظروف العمل الصعبة و لا في الثمن الهزيل مقابل تعبهن بل تبقين بعملهن هذا معرضات لأنواع شتى من الظلم و التعسف كما تقول سميرة ، تلميذة تتخذ من هذا العمل وسيلة لاقتناء ما قد تحتاجه من كتب و أدوات مدرسية و بعض الملابس أمام وضع عائلتها الذي لا يسمح لها بتحقيق ذلك " معاناتنا لا تنحصر في العمل الشاق و قلة الأجرة بل تتعداه إلى النظرة الحيوانية لبعض المشغلين و أبنائهم و وضعنا أمام الأمر الواقع القبول بتلبية غريزته أو الحرمان من العمل مرة أخرى في ضيعته أو حقله ، إضافة إلى نظرة المجتمع لهذه الفئة من نساء " الموقف " على أنهن عاهرات نظرة كلها ازدراء و احتقار " مضيفة بنبرة كلها اسى " فعلا هناك بعض الفتيات اللواتي يستغلن هذه الوضعية باعتبارهن مومسات لا تهمهن الرذيلة ما دمن يحصلن على مبالغ مالية إضافية لكنهن لا يصرحن بذلك فيما هناك فئات تعرضن للتحرش الجنسي و خوفا من الفضيحة فإنهن يفضلن السكوت خوفا على هذا الرزق " وضعية كارثية تعيشها هؤلاء النساء اللواتي يستغللن طوال حياتهن حتى أيام الانتخابات و ذلك من قبل بعض المترشحين و السماسرة على أساس أنهم يقدمون لهم أجرة يوم و عدم الذهاب للعمل للتصويت عليهم مستغلين حاجتهم و فقرهم و جهلهم.
شبه خلاصة:
واقع مرير و حياة أمر كلها تهكيش و تيئيس و نبذ أمام غياب أي مظلة قانونية أو أية حماية اجتماعية يوفرها المجتمع لهذه الفئة من أبناء و بنات المجتمع التي تتلظى بين نارين ، نار الفقر و العوز و نار الذل و الإهانة و الاحتقار ، صورة تعكس العبودية في أسمى تجلياتها جعلت من أجسامهن سخرة لأصحاب المال و النفوذ من أجل " ريالات " تسدن به رمقهن و رمق عائلاتهن غير مباليات بحياتهن التي تحترق يوما بعد يوم ، فعن أية حقوق نتحدث و عن أية شروط كفيلة بالحفاظ على إنسانية البشر و أين هي المدونات و الاتفاقيات و الشراكات و عن أية امرأة نتحدث و ....؟ ؟
محمد الصفى - آزمور