1 باب في الشعوبيين الجدد و الرد عليهم السبت فبراير 04, 2012 10:31 am
الباحث المغربي
مشرف عام
جاء في تعريف الشعوبية في القاموس المحيط «والشعوبي بالضم محتقر أمر العرب و هم الشعوب». و قال عنها القرطبي هي حركة «تبغض العرب وتفضل العجم» وقال الزمخشري في أساس البلاغة: «وهم الذين يصغرون شأن العرب ولا يرون لهم فضلاً على غيرهم». تعرف الموسوعة البريطانية الشعوبية بأنها كل اتجاه مناوئ للعروبة (anti-arabism).
و أقدم الكتب التي حملت الينا اسم الشعوبية هو كتاب البيان والتبيين للجاحظ وان أصل كلمة الشعوبية مشتقة من كلمة شعب. وجمعها شعوب وهو الجيل من الناس وهو أوسع من كلمة القبيلة.
كانت الشعوبية بادئ أمرها تسمى نفسها "حركة التسوية" و أكثر ما كان يتمسك به الشعوبيون هي الآية الكريمة:"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ''. الحجرات (آية:13)، إلا أنها تحولت تدريجيا من حركة تسوية إلى حركة تفضيل العجم على العرب وعملت عبر ترويج المشاعر القومية وإشاعة اليأس من الإسلام إلى ضرب سلطة الخلافة. و انشرت أول أمرها بين المسلمين الفرس لأنهم أول من دخل الإسلام من غير العرب ثم ظهر شعوبيون من شعوب أخرى دخلت الإسلام ثم مولدي الأندلس (الإسبان المستعربون).
فالشعوبية إذن حركة قديمة، إذ يعتبر بعض المؤرخين أولى أعمال الشعوبية هو اغتيال أبو لؤلؤة الفيروزي للخليفة عمر بن الخطاب انتقاما للدولة الساسانية، لكنها اليوم تجد أتباعا جددا من أولئك الذين ينتقصون من شأن العرب و جعلوا من حقدهم دينا و من بغضهم ديدنا.
من دعواهم، و هي دعوى شعوبية دخلت على بعض العرب فتراهم يرددونها كالحمقى، أن الدين لم يرتفع ولم يحفظ بالمسلمين من العرب بل فقط من العجم. و نحن و إن كنا لا ننفي أن للعجم علماء عظام أمثال الإمامين أبي حنيفة و البخاري، إلا أن هذه الدعوى باطلة من وجوه عدة:
أولها أن صحابة رسول الله الكرام، و الذين تقبلوا الدعوة و حملوها و قاتلوا دونها ثم حملوا الرسالة لأمتهم العربية ثم لأمم العجم و حافظوا على كتاب الله و السنة من أحاديث كانوا عربا.
ثانيها أن من العرب علماء عظام ثقال مما لا يعد و لا يحصى على رأسهم حبر الأمة عبد الله بن عباس وأبو هريرة و ثلاثة من أئمة المذاهب الفقهية الكبرى و هم :الإمام مالك بن أنس سليل ملوك اليمن الحميريين، الإمام الشافعي من بني المطلب أخ هاشم جد رسول الله، إمام الحديث و السنة أحمد بن حنبل من بني شيبان من ربيعة بن نزار (أما الإمام العظيم أبو حنيفة النعمان رحمه الله فهو من أصل أفغاني)، و أئمة كبار أمثال سفيان بن عيينة من بني هلال، سفيان الثوري التميمي، جعفر الصادق حفيد الإمام الحسين السبط، الفضيل بن عياض التميمي، الإمام الأوزاعي الحضرمي، و الإمام مسلم صاحب الصحيح القشيري من بني عامر بن صعصعة و ابن الجوزي حفيد أبي بكر الصديق و شيخ الإسلام بن تيمية من نمير بن عامر بن صعصعة و أبو داود صاحب السنن من الأزد و الترمذي من بني سليم و الطحاوي من الأزد و غيرهم كثير و من موالي العرب أئمة عظام كذلك.
هذه نبذة عن علماء الإسلام العرب الكبار كل واحد منهم يزن أمة، و بما أن بعض هؤلاء الشعوبيين قد ابتلوا بتقديم بقية العلوم على العلوم الشرعية فنقدم بعض العلماء العرب في علوم الرياضيات و الفلك:
ابو بكر بن أبي عيسى: هو أحمد بن عمر بن أبي عيسى الأنصاري، اشتهر بالرياضيات والفلك والهندسة، من علماء القرن الرابع الهجري. ذكره ابن صاعدة في (طبقات الأمم) وقال: كان متقدماً في العدد والهندسة والنجوم ، فكان يجلس لتعليم ذلك أيام الحكم.
ابن البناء: هو أبو العباس أحمد بن عثمان العدوي ، وهو رياضي و فلكي مغربي نشأ في مراكش في الفترة (654ـ 721هـ ) (1256ــ1321م)، و كان أبوه يعمل بناء لذلك سمي بابن البناء. أهم مؤلفاته كتاب في الجبر و المقابلة، تلخيص أعمال الحساب، كتاب في المساحات.
ابن بــــــدر: محمد بن عمر بن محمد البلنسي الإشبيلي أبو عبد الله المعروف بابن بدر. عالم رياضيات عربي أندلسي من أهم مؤلفاته كتاب إختصار الجبر والمقابلة الذي أورد فيه عدة أبواب منها في حساب الجذور، وباب في الجبر والمقابلة، و باب في الأسئلة على المسائل الست للخوارزمي.
القلصــــادي: هو أبو الحسن علي بن محمد بن علي القرشي، وهو رياضي أندلسي عاش الفترة (815 ـ 891هـ) الموافق (1412ـ 1568م)، وولد في قرية (بسطة) و نشأ بها ثم عمل في مدينة باجة، ثم هاجر بعد سقوطها إلى تونس ثم عاد إليها و توفي بها، و قد اشتهر في علوم الحساب و الجبر و كان من أوائل الذين استخدموا الرموز في الجبر و القيم للكميات الجبرية. أهم مؤلفاته: القانون في الحساب، الضروري في علم الحساب.
جابر بن أفلح: أبو محمد جابر بن أفلح، عالم رياضي وفلكي اشتهر في القرن السادس الهجري/الثاني عشر الميلادي. ولد في إشبيلية وفيها تلقى علومه الأساسية، ثم ما لبث أن هاجر إلى قرطبة واستقر فيها بقية حياته وبها دفن. تعود شهرة جابر بن أفلح الحقيقية في مجال الرياضيات إلى ابتكاره بعض النظريات الهامة والضرورية لحل المثلثات الكروية، فهو صاحب قانون جابر المعروف في الغرب باسم Gober law المعبر عن علاقة جيوب وجيوب تمام الزوايا وأضلاع المثلث المقابلة لها.
الحارثي: محمد بن عبد الكريم بن عبد الرحمن الحارثي وكنيته أبو الفضل ولقبه مؤيد الدين، والمعروف بالمهندس لمهارته وإتقانه علم الهندسة التي اشتهر فيها. الطبيب والمهندس والفلكي والنحات والشاعر. عاش في القرن السادس الهجري / الثاني عشر الميلادي. اشتهر الحارثي في علمي الهندسة والرياضيات ولم يكن في زمانه عالم مثله. ومن المعروف أن الحارثي صمم وصنع أبواب البيمارستان الكبير النوري بدمشق، وأنه أصلح الساعات التي كانت بالمسجد الأموي بدمشق، وعمل طبيبا في البيمارستان الكبير النوري بدمشق، وكان طبيبا معالجا فذا، واشتهر بين أطباء عصره بهذا الفضل فذاعت شهرته بين أهل دمشق فكان يأتيه المرضى ليباشرهم بنفسه ولا يبغون غيره للعلاج. واهتم الحارثي بدراسة الأدوية المفردة، وألف فيها كتابا مرتبا ترتيبا أبجديا. وله كتب في علم الفلك، وهي: رسالة في معرفة رمز التقويم، ومقالة في رؤية الهلال، وله شعر تناول فيه موضوع تلك المقالة.
وقد اهتم بالنجوم وحركاتها، واشتهر بعمل الأزياج الفلكية . وعمل مختصرا لكتاب الأغاني للأصفهاني في عشر مجلدات وقفها بدمشق في المسجد الأموي. وله كتاب في السياسة بعنوان: في السياسة والحروب.
سليمان المهري: سليمان بن أحمد بن سليمان المهري ربان بحري وعالم فلكي اشتهر في القرن التاسع والعاشر الهجري / الخامس والسادس عشر الميلاديين. ولد سليمان في بلدة سقطري من بلاد اليمن حيث يمتد نسبه إلى قبيلة مهرة بن حيدان من قضاعة.
عرف المهري كربان خبير في البحار على طول الساحل الجنوبي لحضرموت، فقد جاب المهري سواحل أفريقيا الشرقية وسواحل الهند وجزر الملايو ووصف خطوط الملاحة لهذه الجزر، فقد تتلمذ المهري على مؤلفات ابن ماجد إلا أنه أضاف الكثير إلى علم البحار. ولقد صحح المهري الأرقام الخاصة بالأخنان الأربعة الأولى في الجداول البحرية التي أوردها ابن ماجد فقدمها على شكل كسور تقريبية مستخدما طريقة أرباع الجيب. كما رتب المهري بشكل منطقي المسافات البحرية الموافقة للارتفاعات المختلفة المقاسة بالأصابع لتحديد مواضع الأمكنة على الخريطة البحرية لابن ماجد بالنسبة لخط الزوال الأولي. ولقد بلغ الفارق بين الموقع الذي حدده المهري لجزيرة لاسوند وبين الذي أعطاه ابن ماجد لهذا الموقع مقدار إصبعين.
وقد أظهرت مؤلفات المهري المتنوعة خبرته في مجال علم البحار والتي كانت عونا كبيرا لمن جاء من بعده من العلماء، وكان من أشهر هؤلاء الذين استعانوا بمؤلفات سليمان المهري الريس بيرى .
ترك المهري العديد من المؤلفات في علم البحار والفلك من أهمها:
كتاب العمدة المهرية في ضبط العلوم البحرية، كتاب المنهاج الفاخر في علم البحر الزاخر، الأرجوزة السبعية، كتاب قلادة الشموس واستخراج القواعد، كتاب تحفة الفحول في تمهيد الأصول في الفلك.
فضائل العرب و العربية وتفضيلهم عند أهل السنة:
فضل جنس العرب على غيرهم:
أول فضائل العرب أن لفضلهم جعل رسول الله صلى الله عليه و سلم، خاتم الأنبياء، الشفيع يوم القيامة و صاحب لواء الحمد، منهم فهو هاشمي قرشي مضري عدناني، قال صلى الله عليه و سلم:"إن الله اصطفى كِنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى قريشا من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم". رواه مسلم. و هذا الحديث من أدلة تفضيل العرب، ما رواه الإمام مسلم في صحيحه أن رسول الله (ص) قال: «إن الله اصطفى كِنَانَةَ من وَلَدِ إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريشٍ بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم». قال شيخ الإسلام: «هذا يقتضي أنَ إسماعيل وَذريتَهُ صَفْوَةُِ وَلَدِ إبراهيمَ، فيقتضي أنهم أفْضَلُ من وَلَدِ إسحاق. ومعلوَمً أنَّ ولد إسحاق ألذين هم بنو إسرائيلء أفضلُ العَجَمِ لما فيهم من النبوة والكتاب، فمتى ثبت الفضل لهؤلاء فعلى غيرهم بطريق الأولى. وتدل أيضاً أن نسبة قريش إلى العرب كنسبة العرب إلى الناس. وهكذا جاءت الشريعة كما سنومئ إلى بعضه».
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم": «باب تفضيل جنس العجم على العرب نفاق. فإن الذي عليه أهل السنة والجماعة اعتقاد أن جنس العرب أفضل من جنس العجم: عبرانيهم وسريانيهم، رومهم و فرسهم وغيرهم، وأن قريشاً أفضل العرب وأن بني هاشم أفضل قريش وأن رسول الله (ص) أفضل بني هاشم، فهو أفضل الخلق نفساً وأفضلهم نسباً. وليس فضل العرب ثم قريش ثم بني هاشم بمجرد كون النبي (ص) منهم، وإن كان هذا من الفضل، بل هم أنفسهم أفضل. وبذلك ثبت لرسول الله (ص) أنه أفضل نفساً و نسباً، وإلا لزم الدور. ولهذا ذكر أبو محمد بن حرب بن إسماعيل بن خلف الكرماني صاحب الإمام أحمد في وصفه للسنة التي قال فيها: "هذا مذهب أئمة العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المعروفين بها المقتدى بهم فيها، وأدركت من أدركت من علماء أهل العراق والحجاز والشام وغيرهم عليها، فمن خالف شيئاً من هذه المذاهب أو طعن فيها أو عاب قائلها فهو مبتدع خارج عن الجماعة، زائل عن منهج السنة وسبيل الحق، وهو مذهب أحمد وإسحاق بن إبراهيم وعبد الله بن الزبير الحميدي وسعيد بن منصور وغيرهم ممن جالسنا وأخذنا عنهم العلم. فكان من قولهم: أن الإيمان قول وعمل ونية". وساق كلاماً طويلاً إلى أن قال: "ونعرف للعرب حقها وفضلها وسابقتها، ونحبهم لحديث رسول الله (ص): حب العرب إيمان، وبغضهم نفاق. ولا نقول بقول الشعوبية و أرذال الموالي الذين لا يحبون العرب ولا يقرون لهم بفضلهم، فإن قولهم بدعة و خلاف". وذهبت فرقة من الناس إلى أن لا فضل لجنس العرب على جنس العجم. وهؤلاء يسمون الشعوبية لانتصارهم للشعوب التي هي مغايرة للقبائل، كما قيل: "القبائل للعرب والشعوب للعجم". ومن الناس من قد يفضل بعض أنواع العجم على العرب. والغالب أن مثل هذا الكلام لا يصدر إلا عن نوع نفاق، إما في الاعتقاد، وإما في العمل المنبعث عن هوى النفس مع شبهات اقتضت ذلك».
قال الشيخ مَرعي الحنبلي في كتاب " مسبوك الذهب في فضل العرب ": وبالجملة فالذي عليه أهل السنة والجماعة اعتِقاد أن جنس العرب أفضل مِن جنس العجم ... وأن قريشا أفضل العرب ، وأن بني هاشم أفضل قريش ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل بني هاشم ؛ فهو أفضل الخلق أجمعين ، وأشْرفهم نَسَبا وحَسَبا ، وعلى ذلك دَرَج السلف والْخَلَف".
قال شيخ الإسلام: «بغض جنس العرب ومعاداتهم كفر أو سبب لكفر (لأن منهم رسول الله (ص) وعامة أصحابه)، ومقتضاه أنهم أفضل من غيرهم وأن محبتهم سبب قوة الإيمان». وقال: «وأيضاً فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما وضع ديوان العطاء، كتب الناس على قدر أنسابهم. فبدأ بأقربهم نسباً إلى رسول الله (ص)، فلما انقضت العرب ذكر العجم. هكذا كان الديوان على عهد الخلفاء الراشدين وسائر الخلفاء من بني أمية وولد العباس، إلى أن تغير الأمر بعد ذلك».
و من كلام مرعي بن يوسف الحنبلي "أما العَقْلُ الدَّالُ على فَضْلِ العَرَب: فقد ثبتَ بالتَوَاتُرِ المَحْسُوسِ المُشَاهَدِ أنَّ العَرَبَ أكْثَرُ النَاس لسَخَاءً، وَكَرَماً، وَشَجَاعَةً، ومروءةً، وَشَهَامةً، وبلاغةً، وفَصَاحَةً. وِلساَنُهم أَتُم الألْسِنَةِ بياناً، وَتَمْييزاً للمعاني جمعاً وفَرْقاً بجمعِ المعاني الكثيرةِِ في اللَّفْظِ القَليلِ، إذا شاء المتكلِّمُ الجَمْعِ. ويميّزُ بين كلِّ لفظين مشتبهين بلفظٍ آخر مختصرٍ، إلى غيرِ ذَلكَ من خَصَائِصِ اللَسانِ العربيِّ. ولهم مكارمُ أخْلاَقٍ مَحموَدة لا تَنْحَصِرُ. غريزةٌِ في أنفسهم، وَسَجِيَّة لهم جُبلُوا عليها. لكنْ كانوا قبلَ الإِسلامِ طَبِيعةً قَابِلَةً للخيرِ ليسَ عندَهم عِلْمٌ مُنَزَّلٌ مِنَ السَّماءِ، وَلاَ هُمْ أيضاً مُشْتَغلُونَّ ببعضِ العُلُوَم العَقْلية المَحْضَة كَالطِّبِّ أو الحِسَاب أو المَنْطِقِ (مثل اليونان والهند). إنما علمهم ما سمحت به قرائحهم من الشعر والخطب أو ما حفظوه من أنسابهم وأيامهم، أو ما احتاجوا إليه في دنياهم من الأنواء والنجوم. إنَما علمُهُمْ ما سَمَحَتْ بهِ قًرَائِحُهُمْ مِنَ الشِّعْرِ والخُطَبَ أو ماَ حَفِظُوه مِنْ أنْسَابهِمْ وأيَّامِهم، أو ما احْتَاجُوَا إليه في دنياهم مِنَ الأنواء والنُجوَم، أو الحُروب، فلما بعثَ الله محمداً فيهم... فَأخذوا هذا الهدي العظيم بتلكَ الفِطْرةِ الجيدةِ فاجتمِعََ لهم الكَمَال التَامُ بالقوة المَخْلُوَقَةِ فيهم، والهُدَى الذي أنزلَهُ عليهم. واعلم أنًهُ ليسَ فَضْلُ العَرَبِ ثمَّ قُرَيْشٍ ثُم بني هَاشِمٍ بمجردِ كَوَْنِ النبي (ص) مِنْهُمْ كما يُتَوهمُ ءوإنْ كانَ هوَ عليه السلام قد زَادَهُمْ فضلاً وشرفاً بلا ريبء بل هُمْ في أنْفُسِهِمْ أفْضَلُ وَأشرفُ وأكْمَلُ. وبذلكَ ثَبَتَ لَه عليه السلام أنَّهُ أفضل نَفْساً وَنَسَباً، وإلا لَلَزمَ الدَّوْرُ وهو بَاطِلٌ."
فضل العربية على سائر اللغات:
أول فضلها أن جعل رب العزة و الجلالة كتابه بلسانهم، {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (يوسف:2) والله أعلم بأي لسان يختاره لكتابه، وهو العليم الحكيم. ولو جعله الله بغير لغة لما فهمه الناس على الوجه الذي أراده ولا عقلوه كما قال عز وجل {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} (فصلت:44).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية الدمشقي في كتابه القيم "اقتضاء الصراط المستقيم" (2|207): «وإنما الطريق الحسن: اعتياد الخطاب بالعربية، حتى يتلقنها الصغار في الدور والمكاتب، فيظهر شعار الإسلام وأهله، ويكون ذلك أسهل على أهل الإسلام في فقه معاني الكتاب والسنة وكلام السلف. بخلاف من اعتاد لغة ثم أراد أن ينتقل إلى أخرى، فإنه يصعب عليه. واعلم أن اعتياد اللغة، يؤثّر في العقل والخُلُق والدّين تأثيراً قوياً بيناَ. ويؤثر أيضاً في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين. ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق. وأيضاً فإن نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب. فإن فهم الكتاب والسنة فرض. ولا يُفهم إلا بفهم اللغة العربية. وما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب. ثم منها ما هو واجب على الأعيان، ومنها ما هو واجب على الكفاية. وهذا معنى ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عيسى بن يونس عن ثور عن عمر بن يزيد قال كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري (ر): "أما بعد، فتفقهوا في السُّنة، وتفقهوا في العربية، وأعربوا القرآن فإنه عربي". وفي حديث آخر عن عمر (ر) أنه قال: "تعلموا العربية فإنها من دينكم، وتعلموا الفرائض فإنها من دينكم". وهذا الذي أمر به عمر (ر) من فقه العربية وفقه الشريعة، يجمع ما يُحتاج إليه. لأن الدين فيه فقه أقوال وأعمال. ففقه العربية هو الطريق إلى فقه أقواله، وفقه السنة هو الطريق إلى فقه أعماله».
ومما يراه علماء الفرس (أيام كانوا على الإسلام قبل الغزو الصفوي) من أن اللغة العربية أفضل اللغات وأكملها بالحياة والانتشار:
1 - أبو حاتم الرازي (أحمد بن حمدان) (ت322هـ) صاحب كتاب "الزينة في الكلمات الإسلامية" عقد (1|60 ء 66) فصلاً بعنوان: "فضل لغة العرب" ذكر فيه أن لغات البشر كثيرة لا يمكن حصرها، وأن أفضلها أربع: العربية، والعبرانية، والسريانية، والفارسية، وأن أفضل هذه الأربع لغة العرب، فهي أفصح اللغات وأكملها وأتمها وأعذبها وأبينها».
2 - أبو الحسين أحمد بن فارس (ت395 هـ) قال في "الصاحبي" (ص16): "باب لغة العرب أفضل اللغات وأوسعها"، مشيراً إلى قوله تعالى: {لتكونَ من المنذرينَ بلسان عربيٍّ مبين} (الشعراء: 195) وقال: «فلما خَصّ ء جل ثناؤه ء اللسانَ العربيّ بالبيانِ عُلِمَ أن سائر اللغات قاصرةٌ عنه، وواقعة دونه. فإن قال قائل: فقد يقع البيانُ بغير اللسان العربي، لأن كلَّ مَنْ أفْهَمَ بكلامه على شرط لغته فقد بَيَّنَ. قيل له: إن كنتَ تريد أن المتكلّم بغير اللغة العربية قد يُعْرِبُ عن نفسه حتى يُفْهِمَ السامعَ مرادَه فهذا أخس مراتب البيان، لأن الأبكم قد يدلُّ بإشارات وحركات له على أكثر مراده ثم لا يسمّى متكلماً، فضلاً عن أن يُسمّى بَيِّناً أو بليغاً. وإن أردت أنَّ سائر اللغات تُبَيّنُ إبانةَ اللغة العربية فهذا غَلط».
3 -أبو منصور الثعالبي (ت430هـ) قال في كتابه "فقه اللغة وسر العربية" (ص21): «ومَنْ هداه الله للإسلام، وشرح صدره للإيمان، وأتاه حسن سريرة فيه اعتقد أنّ محمداً خيرُ الرسل، والإسلام خير الملل، والعرب خير الأمم، والعربية خير اللغات والألسنة، والإقبال عليها وعلى تفهمها من الديانة، إذ هي أداة العلم».
4 - أبو القاسم محمود الزمخشري (ت538 هـ) قال في مقدمة كتابه "المفصل في علم العربية": «اللهَ أحمدُ على أن جعلني من علماء العربية، وجبلني على الغضب للعرب والعصبية، وأبى لي أن أنفرد عن صميم أنصارهم وأمتاز، وأنضوي إلى لفيف الشعوبية وأنحاز، وعصمني من مذهبهم الذي لم يُجْدِ عليهم إلا الرشقَ بألسنةِ اللاعنينَ، والمَشْقَ بأسِنَّة الطاعنين».
ومما يراه كُتّاب الغرب عن اللغة العربية الفصحى:
1 -قال كارلونلينو: «اللغة العربية تفوق سائر اللغات رونقاً وغنى، ويعجز اللسان عن وصف محاسنها».
2 - قال فان ديك (الأمريكي): «العربية أكثر لغات الأرض امتيازاً، وهذا الامتياز من وجهين: الأول: من حيث ثروة معجمها. والثاني: من حيث استيعابها آدابها».
3 -قال د. فرنباغ (الألماني): «ليست لغة العرب أغنى لغات العلم فحسب، بل إن الذين نبغوا في التأليف بها لا يكاد يأتي عليهم العدّ، وإن اختلافنا عنهم في الزمان والسجايا والأخلاق أقام بيننا نحن الغرباء عن العربية وبين ما ألفوه، حجاباً لا يتبين ما وراءه إلاَّ بصعوبة».
4 - قال فيلا سبازا: «اللغة العربية من أغنى لغات العالم، بل هي أرقى من لغات أوروبا لتضمنها كلَّ أدوات التعبير في أصولها في حين أن الفرنسية والإنجليزية والإيطالية وسواها قد تحدرت من لغات ميتة، ولا تزال حتى الآن تعالج رمم تلك اللغات لتأخذ من دمائها ما تحتاج إليه».
5 -قال المستشرق الفرنسي الشهير أرنست رينان في معرض حديثه عن اللغة العربية في "الموسوعة المسيحية": «فهذه اللغة المجهولة التاريخ تبدو لنا فجأة بكل كمالها ومرونتها وثروتها التي لا تنتهي، لقد كانت هذه اللغة منذ بدايتها بدرجة من الكمال تدفعنا للقول بإيجاز: إنها منذ ذلك الوقت حتى العصر الحاضر لم تتعرض لأي تعديل ذي بال، فاللغة العربية لا طفولة لها، وليس لها شيخوخة أيضا، منذ ظهرت على الملأ، ومنذ انتصاراتها المعجزة، ولست أدري إذا كان يوجد مثل آخر للغة جاءت إلى الدنيا مثل هذه اللغة من غير مرحلة بدائية، ولا فترات انتقالية، ولا تجارب تتلمس فيها معالم الطريق».
6ء يقول "فيشر": «إذا استثنينا الصين، لا يوجد شعب آخر يحق له الفخار بوفرة كتب علوم لغته، وبشعوره المبكر بحاجته إلى تنسيق مفرداتها حسب أصول وقواعد، غير العرب». أقول: مع قِدَم اللغة الصينية فلا يمكن أبداً مقارنتها بلغة العرب لأنها مجرد كتابة بحيث كل كلمة لها صورة معينة وليست هناك أبجدية، وكل منطقة في الصين تلفظ تلك الكلمة بشكل مختلف تماماً، مع غياب معظم التفصيلات النحوية. فسكان الصين لا يمكنهم التفاهم بين بعضهم بالنطق، ولكن في الكتابة فقط.
وأما الرطانة: التي هي التَكلمُ بغير العربيةِ تشبهًا بالأعاجم، فقد قالَ عمرُ بنُ الخَطَّابِ: "إيَّاكم وَرَطَانة الأعاجم. وانْ تدخلوَا على المشركين يوم عيدهم في كنائسهم". وفي لفظ آخر عن عمرَ: "لا تَعَلّموَا رَطَانَةَ الأعاجمِ، ولا تدخلوَا على المشركين في كنائسهم يوَم عيدهم فإن السخطة تنزلُ عليهم". وقالَ الإِمامُ مالك فيما رواه ابنُ القاسم في "المُدونة": "لا يُحرِمُ بالأعِجمية، ولا يدعو بها، وَلا يحلف". وقال: "نهى عمر عن رطانةِ الأعاجم". وسئلَ الإِمام أحمد عن الدعاءِ في الصلاة بالفارسية فكرهه، وقال: "لِسَانُ سوء". ومذهبهُ أنَ ذلكَ يُبْطِلُ الصلاة. وَكَرِهَ الإِمامُ الشافعي لمن يعرف العربيةَ أن يسمي بغيرها، أو أن يتكلم بها خالطاً بالعجمية، وهو ظاهرُ كلامِهِ فيما حكاه عنه ابن عبدِ الحكم.
و أقدم الكتب التي حملت الينا اسم الشعوبية هو كتاب البيان والتبيين للجاحظ وان أصل كلمة الشعوبية مشتقة من كلمة شعب. وجمعها شعوب وهو الجيل من الناس وهو أوسع من كلمة القبيلة.
كانت الشعوبية بادئ أمرها تسمى نفسها "حركة التسوية" و أكثر ما كان يتمسك به الشعوبيون هي الآية الكريمة:"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ''. الحجرات (آية:13)، إلا أنها تحولت تدريجيا من حركة تسوية إلى حركة تفضيل العجم على العرب وعملت عبر ترويج المشاعر القومية وإشاعة اليأس من الإسلام إلى ضرب سلطة الخلافة. و انشرت أول أمرها بين المسلمين الفرس لأنهم أول من دخل الإسلام من غير العرب ثم ظهر شعوبيون من شعوب أخرى دخلت الإسلام ثم مولدي الأندلس (الإسبان المستعربون).
فالشعوبية إذن حركة قديمة، إذ يعتبر بعض المؤرخين أولى أعمال الشعوبية هو اغتيال أبو لؤلؤة الفيروزي للخليفة عمر بن الخطاب انتقاما للدولة الساسانية، لكنها اليوم تجد أتباعا جددا من أولئك الذين ينتقصون من شأن العرب و جعلوا من حقدهم دينا و من بغضهم ديدنا.
من دعواهم، و هي دعوى شعوبية دخلت على بعض العرب فتراهم يرددونها كالحمقى، أن الدين لم يرتفع ولم يحفظ بالمسلمين من العرب بل فقط من العجم. و نحن و إن كنا لا ننفي أن للعجم علماء عظام أمثال الإمامين أبي حنيفة و البخاري، إلا أن هذه الدعوى باطلة من وجوه عدة:
أولها أن صحابة رسول الله الكرام، و الذين تقبلوا الدعوة و حملوها و قاتلوا دونها ثم حملوا الرسالة لأمتهم العربية ثم لأمم العجم و حافظوا على كتاب الله و السنة من أحاديث كانوا عربا.
ثانيها أن من العرب علماء عظام ثقال مما لا يعد و لا يحصى على رأسهم حبر الأمة عبد الله بن عباس وأبو هريرة و ثلاثة من أئمة المذاهب الفقهية الكبرى و هم :الإمام مالك بن أنس سليل ملوك اليمن الحميريين، الإمام الشافعي من بني المطلب أخ هاشم جد رسول الله، إمام الحديث و السنة أحمد بن حنبل من بني شيبان من ربيعة بن نزار (أما الإمام العظيم أبو حنيفة النعمان رحمه الله فهو من أصل أفغاني)، و أئمة كبار أمثال سفيان بن عيينة من بني هلال، سفيان الثوري التميمي، جعفر الصادق حفيد الإمام الحسين السبط، الفضيل بن عياض التميمي، الإمام الأوزاعي الحضرمي، و الإمام مسلم صاحب الصحيح القشيري من بني عامر بن صعصعة و ابن الجوزي حفيد أبي بكر الصديق و شيخ الإسلام بن تيمية من نمير بن عامر بن صعصعة و أبو داود صاحب السنن من الأزد و الترمذي من بني سليم و الطحاوي من الأزد و غيرهم كثير و من موالي العرب أئمة عظام كذلك.
هذه نبذة عن علماء الإسلام العرب الكبار كل واحد منهم يزن أمة، و بما أن بعض هؤلاء الشعوبيين قد ابتلوا بتقديم بقية العلوم على العلوم الشرعية فنقدم بعض العلماء العرب في علوم الرياضيات و الفلك:
ابو بكر بن أبي عيسى: هو أحمد بن عمر بن أبي عيسى الأنصاري، اشتهر بالرياضيات والفلك والهندسة، من علماء القرن الرابع الهجري. ذكره ابن صاعدة في (طبقات الأمم) وقال: كان متقدماً في العدد والهندسة والنجوم ، فكان يجلس لتعليم ذلك أيام الحكم.
ابن البناء: هو أبو العباس أحمد بن عثمان العدوي ، وهو رياضي و فلكي مغربي نشأ في مراكش في الفترة (654ـ 721هـ ) (1256ــ1321م)، و كان أبوه يعمل بناء لذلك سمي بابن البناء. أهم مؤلفاته كتاب في الجبر و المقابلة، تلخيص أعمال الحساب، كتاب في المساحات.
ابن بــــــدر: محمد بن عمر بن محمد البلنسي الإشبيلي أبو عبد الله المعروف بابن بدر. عالم رياضيات عربي أندلسي من أهم مؤلفاته كتاب إختصار الجبر والمقابلة الذي أورد فيه عدة أبواب منها في حساب الجذور، وباب في الجبر والمقابلة، و باب في الأسئلة على المسائل الست للخوارزمي.
القلصــــادي: هو أبو الحسن علي بن محمد بن علي القرشي، وهو رياضي أندلسي عاش الفترة (815 ـ 891هـ) الموافق (1412ـ 1568م)، وولد في قرية (بسطة) و نشأ بها ثم عمل في مدينة باجة، ثم هاجر بعد سقوطها إلى تونس ثم عاد إليها و توفي بها، و قد اشتهر في علوم الحساب و الجبر و كان من أوائل الذين استخدموا الرموز في الجبر و القيم للكميات الجبرية. أهم مؤلفاته: القانون في الحساب، الضروري في علم الحساب.
جابر بن أفلح: أبو محمد جابر بن أفلح، عالم رياضي وفلكي اشتهر في القرن السادس الهجري/الثاني عشر الميلادي. ولد في إشبيلية وفيها تلقى علومه الأساسية، ثم ما لبث أن هاجر إلى قرطبة واستقر فيها بقية حياته وبها دفن. تعود شهرة جابر بن أفلح الحقيقية في مجال الرياضيات إلى ابتكاره بعض النظريات الهامة والضرورية لحل المثلثات الكروية، فهو صاحب قانون جابر المعروف في الغرب باسم Gober law المعبر عن علاقة جيوب وجيوب تمام الزوايا وأضلاع المثلث المقابلة لها.
الحارثي: محمد بن عبد الكريم بن عبد الرحمن الحارثي وكنيته أبو الفضل ولقبه مؤيد الدين، والمعروف بالمهندس لمهارته وإتقانه علم الهندسة التي اشتهر فيها. الطبيب والمهندس والفلكي والنحات والشاعر. عاش في القرن السادس الهجري / الثاني عشر الميلادي. اشتهر الحارثي في علمي الهندسة والرياضيات ولم يكن في زمانه عالم مثله. ومن المعروف أن الحارثي صمم وصنع أبواب البيمارستان الكبير النوري بدمشق، وأنه أصلح الساعات التي كانت بالمسجد الأموي بدمشق، وعمل طبيبا في البيمارستان الكبير النوري بدمشق، وكان طبيبا معالجا فذا، واشتهر بين أطباء عصره بهذا الفضل فذاعت شهرته بين أهل دمشق فكان يأتيه المرضى ليباشرهم بنفسه ولا يبغون غيره للعلاج. واهتم الحارثي بدراسة الأدوية المفردة، وألف فيها كتابا مرتبا ترتيبا أبجديا. وله كتب في علم الفلك، وهي: رسالة في معرفة رمز التقويم، ومقالة في رؤية الهلال، وله شعر تناول فيه موضوع تلك المقالة.
وقد اهتم بالنجوم وحركاتها، واشتهر بعمل الأزياج الفلكية . وعمل مختصرا لكتاب الأغاني للأصفهاني في عشر مجلدات وقفها بدمشق في المسجد الأموي. وله كتاب في السياسة بعنوان: في السياسة والحروب.
سليمان المهري: سليمان بن أحمد بن سليمان المهري ربان بحري وعالم فلكي اشتهر في القرن التاسع والعاشر الهجري / الخامس والسادس عشر الميلاديين. ولد سليمان في بلدة سقطري من بلاد اليمن حيث يمتد نسبه إلى قبيلة مهرة بن حيدان من قضاعة.
عرف المهري كربان خبير في البحار على طول الساحل الجنوبي لحضرموت، فقد جاب المهري سواحل أفريقيا الشرقية وسواحل الهند وجزر الملايو ووصف خطوط الملاحة لهذه الجزر، فقد تتلمذ المهري على مؤلفات ابن ماجد إلا أنه أضاف الكثير إلى علم البحار. ولقد صحح المهري الأرقام الخاصة بالأخنان الأربعة الأولى في الجداول البحرية التي أوردها ابن ماجد فقدمها على شكل كسور تقريبية مستخدما طريقة أرباع الجيب. كما رتب المهري بشكل منطقي المسافات البحرية الموافقة للارتفاعات المختلفة المقاسة بالأصابع لتحديد مواضع الأمكنة على الخريطة البحرية لابن ماجد بالنسبة لخط الزوال الأولي. ولقد بلغ الفارق بين الموقع الذي حدده المهري لجزيرة لاسوند وبين الذي أعطاه ابن ماجد لهذا الموقع مقدار إصبعين.
وقد أظهرت مؤلفات المهري المتنوعة خبرته في مجال علم البحار والتي كانت عونا كبيرا لمن جاء من بعده من العلماء، وكان من أشهر هؤلاء الذين استعانوا بمؤلفات سليمان المهري الريس بيرى .
ترك المهري العديد من المؤلفات في علم البحار والفلك من أهمها:
كتاب العمدة المهرية في ضبط العلوم البحرية، كتاب المنهاج الفاخر في علم البحر الزاخر، الأرجوزة السبعية، كتاب قلادة الشموس واستخراج القواعد، كتاب تحفة الفحول في تمهيد الأصول في الفلك.
فضائل العرب و العربية وتفضيلهم عند أهل السنة:
فضل جنس العرب على غيرهم:
أول فضائل العرب أن لفضلهم جعل رسول الله صلى الله عليه و سلم، خاتم الأنبياء، الشفيع يوم القيامة و صاحب لواء الحمد، منهم فهو هاشمي قرشي مضري عدناني، قال صلى الله عليه و سلم:"إن الله اصطفى كِنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى قريشا من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم". رواه مسلم. و هذا الحديث من أدلة تفضيل العرب، ما رواه الإمام مسلم في صحيحه أن رسول الله (ص) قال: «إن الله اصطفى كِنَانَةَ من وَلَدِ إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريشٍ بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم». قال شيخ الإسلام: «هذا يقتضي أنَ إسماعيل وَذريتَهُ صَفْوَةُِ وَلَدِ إبراهيمَ، فيقتضي أنهم أفْضَلُ من وَلَدِ إسحاق. ومعلوَمً أنَّ ولد إسحاق ألذين هم بنو إسرائيلء أفضلُ العَجَمِ لما فيهم من النبوة والكتاب، فمتى ثبت الفضل لهؤلاء فعلى غيرهم بطريق الأولى. وتدل أيضاً أن نسبة قريش إلى العرب كنسبة العرب إلى الناس. وهكذا جاءت الشريعة كما سنومئ إلى بعضه».
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم": «باب تفضيل جنس العجم على العرب نفاق. فإن الذي عليه أهل السنة والجماعة اعتقاد أن جنس العرب أفضل من جنس العجم: عبرانيهم وسريانيهم، رومهم و فرسهم وغيرهم، وأن قريشاً أفضل العرب وأن بني هاشم أفضل قريش وأن رسول الله (ص) أفضل بني هاشم، فهو أفضل الخلق نفساً وأفضلهم نسباً. وليس فضل العرب ثم قريش ثم بني هاشم بمجرد كون النبي (ص) منهم، وإن كان هذا من الفضل، بل هم أنفسهم أفضل. وبذلك ثبت لرسول الله (ص) أنه أفضل نفساً و نسباً، وإلا لزم الدور. ولهذا ذكر أبو محمد بن حرب بن إسماعيل بن خلف الكرماني صاحب الإمام أحمد في وصفه للسنة التي قال فيها: "هذا مذهب أئمة العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المعروفين بها المقتدى بهم فيها، وأدركت من أدركت من علماء أهل العراق والحجاز والشام وغيرهم عليها، فمن خالف شيئاً من هذه المذاهب أو طعن فيها أو عاب قائلها فهو مبتدع خارج عن الجماعة، زائل عن منهج السنة وسبيل الحق، وهو مذهب أحمد وإسحاق بن إبراهيم وعبد الله بن الزبير الحميدي وسعيد بن منصور وغيرهم ممن جالسنا وأخذنا عنهم العلم. فكان من قولهم: أن الإيمان قول وعمل ونية". وساق كلاماً طويلاً إلى أن قال: "ونعرف للعرب حقها وفضلها وسابقتها، ونحبهم لحديث رسول الله (ص): حب العرب إيمان، وبغضهم نفاق. ولا نقول بقول الشعوبية و أرذال الموالي الذين لا يحبون العرب ولا يقرون لهم بفضلهم، فإن قولهم بدعة و خلاف". وذهبت فرقة من الناس إلى أن لا فضل لجنس العرب على جنس العجم. وهؤلاء يسمون الشعوبية لانتصارهم للشعوب التي هي مغايرة للقبائل، كما قيل: "القبائل للعرب والشعوب للعجم". ومن الناس من قد يفضل بعض أنواع العجم على العرب. والغالب أن مثل هذا الكلام لا يصدر إلا عن نوع نفاق، إما في الاعتقاد، وإما في العمل المنبعث عن هوى النفس مع شبهات اقتضت ذلك».
قال الشيخ مَرعي الحنبلي في كتاب " مسبوك الذهب في فضل العرب ": وبالجملة فالذي عليه أهل السنة والجماعة اعتِقاد أن جنس العرب أفضل مِن جنس العجم ... وأن قريشا أفضل العرب ، وأن بني هاشم أفضل قريش ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل بني هاشم ؛ فهو أفضل الخلق أجمعين ، وأشْرفهم نَسَبا وحَسَبا ، وعلى ذلك دَرَج السلف والْخَلَف".
قال شيخ الإسلام: «بغض جنس العرب ومعاداتهم كفر أو سبب لكفر (لأن منهم رسول الله (ص) وعامة أصحابه)، ومقتضاه أنهم أفضل من غيرهم وأن محبتهم سبب قوة الإيمان». وقال: «وأيضاً فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما وضع ديوان العطاء، كتب الناس على قدر أنسابهم. فبدأ بأقربهم نسباً إلى رسول الله (ص)، فلما انقضت العرب ذكر العجم. هكذا كان الديوان على عهد الخلفاء الراشدين وسائر الخلفاء من بني أمية وولد العباس، إلى أن تغير الأمر بعد ذلك».
و من كلام مرعي بن يوسف الحنبلي "أما العَقْلُ الدَّالُ على فَضْلِ العَرَب: فقد ثبتَ بالتَوَاتُرِ المَحْسُوسِ المُشَاهَدِ أنَّ العَرَبَ أكْثَرُ النَاس لسَخَاءً، وَكَرَماً، وَشَجَاعَةً، ومروءةً، وَشَهَامةً، وبلاغةً، وفَصَاحَةً. وِلساَنُهم أَتُم الألْسِنَةِ بياناً، وَتَمْييزاً للمعاني جمعاً وفَرْقاً بجمعِ المعاني الكثيرةِِ في اللَّفْظِ القَليلِ، إذا شاء المتكلِّمُ الجَمْعِ. ويميّزُ بين كلِّ لفظين مشتبهين بلفظٍ آخر مختصرٍ، إلى غيرِ ذَلكَ من خَصَائِصِ اللَسانِ العربيِّ. ولهم مكارمُ أخْلاَقٍ مَحموَدة لا تَنْحَصِرُ. غريزةٌِ في أنفسهم، وَسَجِيَّة لهم جُبلُوا عليها. لكنْ كانوا قبلَ الإِسلامِ طَبِيعةً قَابِلَةً للخيرِ ليسَ عندَهم عِلْمٌ مُنَزَّلٌ مِنَ السَّماءِ، وَلاَ هُمْ أيضاً مُشْتَغلُونَّ ببعضِ العُلُوَم العَقْلية المَحْضَة كَالطِّبِّ أو الحِسَاب أو المَنْطِقِ (مثل اليونان والهند). إنما علمهم ما سمحت به قرائحهم من الشعر والخطب أو ما حفظوه من أنسابهم وأيامهم، أو ما احتاجوا إليه في دنياهم من الأنواء والنجوم. إنَما علمُهُمْ ما سَمَحَتْ بهِ قًرَائِحُهُمْ مِنَ الشِّعْرِ والخُطَبَ أو ماَ حَفِظُوه مِنْ أنْسَابهِمْ وأيَّامِهم، أو ما احْتَاجُوَا إليه في دنياهم مِنَ الأنواء والنُجوَم، أو الحُروب، فلما بعثَ الله محمداً فيهم... فَأخذوا هذا الهدي العظيم بتلكَ الفِطْرةِ الجيدةِ فاجتمِعََ لهم الكَمَال التَامُ بالقوة المَخْلُوَقَةِ فيهم، والهُدَى الذي أنزلَهُ عليهم. واعلم أنًهُ ليسَ فَضْلُ العَرَبِ ثمَّ قُرَيْشٍ ثُم بني هَاشِمٍ بمجردِ كَوَْنِ النبي (ص) مِنْهُمْ كما يُتَوهمُ ءوإنْ كانَ هوَ عليه السلام قد زَادَهُمْ فضلاً وشرفاً بلا ريبء بل هُمْ في أنْفُسِهِمْ أفْضَلُ وَأشرفُ وأكْمَلُ. وبذلكَ ثَبَتَ لَه عليه السلام أنَّهُ أفضل نَفْساً وَنَسَباً، وإلا لَلَزمَ الدَّوْرُ وهو بَاطِلٌ."
فضل العربية على سائر اللغات:
أول فضلها أن جعل رب العزة و الجلالة كتابه بلسانهم، {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (يوسف:2) والله أعلم بأي لسان يختاره لكتابه، وهو العليم الحكيم. ولو جعله الله بغير لغة لما فهمه الناس على الوجه الذي أراده ولا عقلوه كما قال عز وجل {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} (فصلت:44).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية الدمشقي في كتابه القيم "اقتضاء الصراط المستقيم" (2|207): «وإنما الطريق الحسن: اعتياد الخطاب بالعربية، حتى يتلقنها الصغار في الدور والمكاتب، فيظهر شعار الإسلام وأهله، ويكون ذلك أسهل على أهل الإسلام في فقه معاني الكتاب والسنة وكلام السلف. بخلاف من اعتاد لغة ثم أراد أن ينتقل إلى أخرى، فإنه يصعب عليه. واعلم أن اعتياد اللغة، يؤثّر في العقل والخُلُق والدّين تأثيراً قوياً بيناَ. ويؤثر أيضاً في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين. ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق. وأيضاً فإن نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب. فإن فهم الكتاب والسنة فرض. ولا يُفهم إلا بفهم اللغة العربية. وما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب. ثم منها ما هو واجب على الأعيان، ومنها ما هو واجب على الكفاية. وهذا معنى ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عيسى بن يونس عن ثور عن عمر بن يزيد قال كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري (ر): "أما بعد، فتفقهوا في السُّنة، وتفقهوا في العربية، وأعربوا القرآن فإنه عربي". وفي حديث آخر عن عمر (ر) أنه قال: "تعلموا العربية فإنها من دينكم، وتعلموا الفرائض فإنها من دينكم". وهذا الذي أمر به عمر (ر) من فقه العربية وفقه الشريعة، يجمع ما يُحتاج إليه. لأن الدين فيه فقه أقوال وأعمال. ففقه العربية هو الطريق إلى فقه أقواله، وفقه السنة هو الطريق إلى فقه أعماله».
ومما يراه علماء الفرس (أيام كانوا على الإسلام قبل الغزو الصفوي) من أن اللغة العربية أفضل اللغات وأكملها بالحياة والانتشار:
1 - أبو حاتم الرازي (أحمد بن حمدان) (ت322هـ) صاحب كتاب "الزينة في الكلمات الإسلامية" عقد (1|60 ء 66) فصلاً بعنوان: "فضل لغة العرب" ذكر فيه أن لغات البشر كثيرة لا يمكن حصرها، وأن أفضلها أربع: العربية، والعبرانية، والسريانية، والفارسية، وأن أفضل هذه الأربع لغة العرب، فهي أفصح اللغات وأكملها وأتمها وأعذبها وأبينها».
2 - أبو الحسين أحمد بن فارس (ت395 هـ) قال في "الصاحبي" (ص16): "باب لغة العرب أفضل اللغات وأوسعها"، مشيراً إلى قوله تعالى: {لتكونَ من المنذرينَ بلسان عربيٍّ مبين} (الشعراء: 195) وقال: «فلما خَصّ ء جل ثناؤه ء اللسانَ العربيّ بالبيانِ عُلِمَ أن سائر اللغات قاصرةٌ عنه، وواقعة دونه. فإن قال قائل: فقد يقع البيانُ بغير اللسان العربي، لأن كلَّ مَنْ أفْهَمَ بكلامه على شرط لغته فقد بَيَّنَ. قيل له: إن كنتَ تريد أن المتكلّم بغير اللغة العربية قد يُعْرِبُ عن نفسه حتى يُفْهِمَ السامعَ مرادَه فهذا أخس مراتب البيان، لأن الأبكم قد يدلُّ بإشارات وحركات له على أكثر مراده ثم لا يسمّى متكلماً، فضلاً عن أن يُسمّى بَيِّناً أو بليغاً. وإن أردت أنَّ سائر اللغات تُبَيّنُ إبانةَ اللغة العربية فهذا غَلط».
3 -أبو منصور الثعالبي (ت430هـ) قال في كتابه "فقه اللغة وسر العربية" (ص21): «ومَنْ هداه الله للإسلام، وشرح صدره للإيمان، وأتاه حسن سريرة فيه اعتقد أنّ محمداً خيرُ الرسل، والإسلام خير الملل، والعرب خير الأمم، والعربية خير اللغات والألسنة، والإقبال عليها وعلى تفهمها من الديانة، إذ هي أداة العلم».
4 - أبو القاسم محمود الزمخشري (ت538 هـ) قال في مقدمة كتابه "المفصل في علم العربية": «اللهَ أحمدُ على أن جعلني من علماء العربية، وجبلني على الغضب للعرب والعصبية، وأبى لي أن أنفرد عن صميم أنصارهم وأمتاز، وأنضوي إلى لفيف الشعوبية وأنحاز، وعصمني من مذهبهم الذي لم يُجْدِ عليهم إلا الرشقَ بألسنةِ اللاعنينَ، والمَشْقَ بأسِنَّة الطاعنين».
ومما يراه كُتّاب الغرب عن اللغة العربية الفصحى:
1 -قال كارلونلينو: «اللغة العربية تفوق سائر اللغات رونقاً وغنى، ويعجز اللسان عن وصف محاسنها».
2 - قال فان ديك (الأمريكي): «العربية أكثر لغات الأرض امتيازاً، وهذا الامتياز من وجهين: الأول: من حيث ثروة معجمها. والثاني: من حيث استيعابها آدابها».
3 -قال د. فرنباغ (الألماني): «ليست لغة العرب أغنى لغات العلم فحسب، بل إن الذين نبغوا في التأليف بها لا يكاد يأتي عليهم العدّ، وإن اختلافنا عنهم في الزمان والسجايا والأخلاق أقام بيننا نحن الغرباء عن العربية وبين ما ألفوه، حجاباً لا يتبين ما وراءه إلاَّ بصعوبة».
4 - قال فيلا سبازا: «اللغة العربية من أغنى لغات العالم، بل هي أرقى من لغات أوروبا لتضمنها كلَّ أدوات التعبير في أصولها في حين أن الفرنسية والإنجليزية والإيطالية وسواها قد تحدرت من لغات ميتة، ولا تزال حتى الآن تعالج رمم تلك اللغات لتأخذ من دمائها ما تحتاج إليه».
5 -قال المستشرق الفرنسي الشهير أرنست رينان في معرض حديثه عن اللغة العربية في "الموسوعة المسيحية": «فهذه اللغة المجهولة التاريخ تبدو لنا فجأة بكل كمالها ومرونتها وثروتها التي لا تنتهي، لقد كانت هذه اللغة منذ بدايتها بدرجة من الكمال تدفعنا للقول بإيجاز: إنها منذ ذلك الوقت حتى العصر الحاضر لم تتعرض لأي تعديل ذي بال، فاللغة العربية لا طفولة لها، وليس لها شيخوخة أيضا، منذ ظهرت على الملأ، ومنذ انتصاراتها المعجزة، ولست أدري إذا كان يوجد مثل آخر للغة جاءت إلى الدنيا مثل هذه اللغة من غير مرحلة بدائية، ولا فترات انتقالية، ولا تجارب تتلمس فيها معالم الطريق».
6ء يقول "فيشر": «إذا استثنينا الصين، لا يوجد شعب آخر يحق له الفخار بوفرة كتب علوم لغته، وبشعوره المبكر بحاجته إلى تنسيق مفرداتها حسب أصول وقواعد، غير العرب». أقول: مع قِدَم اللغة الصينية فلا يمكن أبداً مقارنتها بلغة العرب لأنها مجرد كتابة بحيث كل كلمة لها صورة معينة وليست هناك أبجدية، وكل منطقة في الصين تلفظ تلك الكلمة بشكل مختلف تماماً، مع غياب معظم التفصيلات النحوية. فسكان الصين لا يمكنهم التفاهم بين بعضهم بالنطق، ولكن في الكتابة فقط.
وأما الرطانة: التي هي التَكلمُ بغير العربيةِ تشبهًا بالأعاجم، فقد قالَ عمرُ بنُ الخَطَّابِ: "إيَّاكم وَرَطَانة الأعاجم. وانْ تدخلوَا على المشركين يوم عيدهم في كنائسهم". وفي لفظ آخر عن عمرَ: "لا تَعَلّموَا رَطَانَةَ الأعاجمِ، ولا تدخلوَا على المشركين في كنائسهم يوَم عيدهم فإن السخطة تنزلُ عليهم". وقالَ الإِمامُ مالك فيما رواه ابنُ القاسم في "المُدونة": "لا يُحرِمُ بالأعِجمية، ولا يدعو بها، وَلا يحلف". وقال: "نهى عمر عن رطانةِ الأعاجم". وسئلَ الإِمام أحمد عن الدعاءِ في الصلاة بالفارسية فكرهه، وقال: "لِسَانُ سوء". ومذهبهُ أنَ ذلكَ يُبْطِلُ الصلاة. وَكَرِهَ الإِمامُ الشافعي لمن يعرف العربيةَ أن يسمي بغيرها، أو أن يتكلم بها خالطاً بالعجمية، وهو ظاهرُ كلامِهِ فيما حكاه عنه ابن عبدِ الحكم.