1 أطوار ثورة أولاد زيد ونتائجها الكبرى4 الجمعة يناير 01, 2010 10:56 am
admin
Admin
1- التنكيل بالثوار والدفع بأعداد منهم إلى الفرار والاختفاء: بعد مذبحة مخزن خورخي الإسباني، والتي قضى فيها نخبة من زعماء الثوار غيلة(150)، فإن القائد عيسى بن عمر التحق توا بضريح الشيخ أبي محمد صالح للفتك بمن اعتصم به من الثوار وبقية زعماءهم، فأثخنهم هو وأصحابه جرحا وقتلا، ليحاصر بعد ذلك ما بقى من فلول الثوار عند أسوار آسفي، ويضيق عليهم الخناق بالضرب، بمعية عامل آسفي بنهيمة، حتى أن بعضهم تساقطوا في البحر طلبا للنجاة(151)؛ وبعد أن فرغ القائد عيسى من سحق فتنة أولاد زيد، أخذ في مطاردة الفارين من الثوار، فكان يقبض على"كل من فيه رائحة الفساد"(152)، حتى اجتمع لديه منهم نحو ثمانمائة نفر، في حين تفرق الباقون "شذر مذر"(153)، واختفوا بمجاهل بلاد سوس والشياظمة والشاوية، وبدروب الصويرة ومراكش وغيرهما من المدن، و"منهم من غادر المغرب"(154).
وحتى يشفي غليله، ويعطي العبرة لمن بقي في نفسه ميل إلى الشغب والفتنة، فإن القائد عيسى بن عمر لم يتورع من الفتك بمن وقع بيده من الثوار، حتى أسرف في قتل عدد كبير منهم، وصار"يتفنن"(155) في التنكيل بهم، فمنهم من كان يرميه بالرصاص، ومنهم من كان "يجز رأسه، أو وكزه بسكين في مقتل من مقاتله، ومنهم من يقتله بنزع أنثييه أو بشنقه، ومنهم من يقتله صبرا"(156)، ليبعث بمن تبقى منهم إلى السجون، قسم منهم إلى سجن قصبته(157)، وما فضل اقتيد إلى سجون آسفي والصويرة وتطوان ومراكش والرباط، وكان بينهم قائد الفتنة ورأسها الأكبر محمد بن ملوك ونجله محمد المعروف بالزرهوني، فقد حبس الأول بسجن تطوان، وبقى هناك حتى وفاته، في حين حبس ابنه بالرباط(158)، حيث مكث سبع سنوات، عاد بعدها إلى موطنه (159)؛ كما صادر عيسى بن عمر أموال الثوار وأمتعتهم(160)، ولم يبد السلطان أي اعتراض على ممارسات خديمه القائد، فحين بلغه تقرير عامل آسفي، بتمام سحق الثورة وقتل العديد من الثوار، تنفس الصعداء، وأجابه بقوله " لقد تم قـتل المتمردين، فالحمد لله "(161)، واصدر في ربيع الأول سنة 1313 أمرا مولويا "ببيع دورهم التي بآسفي"(162)، في المزاد العلني، وتم الإشهار بذلك في الأسواق.(163)
2- اختطاف الشيخة حويدة الغياثية وإعدامها: يمكن القول أن جانبا كبيرا من بسالة ثوار أولاد زيد، واستماتتهم في حرب عيسى بن عمر، يعود إلى ما كان يهز مشاعرهم من تحريض وتحميس، مصدره شاعرتهم الشيخة حويدة الغياثية(164)العبدية، والتي يظهر من بعض ما يتداول من أوصافها، أنها كانت غير ذات جمال، فهي"خربوشة" و"كريدة"، ولعل هذه الدمامة كانت ترفع عنها الحرج في مخالطة الرجال، ولذلك كانت في حماة ثورة بني قومها، تجلس إلى مقاتلي أولاد زيد ليلا، حين يخلدون للراحة بعد عودتهم من معارك الكر والفر، فتنشدهم قصائد (عيوط)، كلها " تحميس لهم وتحريض على متابعتهم القيام (الحرب) ضد السي عيسى"(165)، تحثهم فيها على الصبر والثبات والمبادأة في الهجوم والطعان، في نفس الآن كانت تكيل للقائد هجوا قاسيا وبذيئا(166)، ولم يكن نظم الشيخة حويدة وغناءها يبقى حبيس رواة أولاد زيد وصدى مرابطهم، بل كانت تشيع قصائدها وتنتشر بين قبائل عبدة بل تتسرب حتى إلى قبائل الجوار، فكان الناس يرددونها "فرادى وجماعات"(167)، مما أعطى لـهـذه الثورة دعما معنويا كبيرا، قلما ظفرت به فتن قبيلة أخرى، وجعل منها ملحمة شعبية، تنطق في حكم بعض الباحثين، بكثير من الدلالات والقيم والآمال(168).
فبعدما سحق القائد عيسى ثورة أولاد زيد، هربت حويدة عند أخوالها بأولاد سعيد في الشاوية، فأرسل القائد في طلبها، لكن قائد أولاد سعيد، المدعو أبو بكر بن بوزيد، رفض تسليمها له، وأعلم السلطان بخبرها، فأمره بنقلها إلى دار المخزن، وصادف يوم تنفيذ الأمر السلطاني وجود جماعة من أصحاب القائد عيسى بمجلس ابن بوزيد، يبدو أنهم جاءوا لتجديد طلب تسليمها، وحين خرجت الشيخة المطلوبة رفقة مخزني قاصدة دار المخزن، لحق بها أفراد جماعة القائد عيسى، "فرافقوهما مسافة، فلما انفصلت الطريق عمدوا إلى مركوب المرأة، وساقوه لغير طريق المحلة السعيدة، وحالوا بينها وبين المخزني، وأعلمهم بأنه متوجه للمحلة السعيدة، وأراهم الكتاب الذي بيده فلم يلتفتوا إليه...ولم يقدر على مقاومتهم لأن عددهم اثنا عشر فارسا"(169)، وعند وصولها إلى عيسى بن عمر، زج بها فـي سجن قصبته، ويفصح بعض محفوظ آخر قصائدها أنها كانت تقاسي تعذيبا(170)، ويذكر الصبيحي أن القائد عيسى حبسها "مدة مديدة"، وخلالها كان يحضرها بين وقت وآخر، للسخرية منها بمرآى من بطانته، "فيركبها ناقة، ويأمرها أن تغني، وهو في وسط إخوانه، الغناء الذي كانت تغنيه لأولاد زيد"(171)، وبعد أن أشفى غله منها بإهانتها "قتلها"(172)، رغم استرحامها له.
وتذهب الرواية الشعبية مذهبا آخر في تناول نهاية الشيخة احويدة، فتذكر أنها ما تركت بابا يمكن الولوج منه إلى قلب القائد عيسى بن عمر إلا طرقته، طلبا لصفحه ورحمته:
- فمرة استعطفته بواحدة من أعز بناته ، قائلة :
آسعدية طلبي بوك علي
إلى اوتيت سامح لي
واخا قتلني واخا خلاني
مندوز بلادي راني زيدية .
على كلمة خرجت لبلاد
واخرجت لحكام
لا سلامة ليك آليام
- ومرة أخرى استرحمته بأولياء الله الصالحين ، قائلة :
نسألك بالمعاشي سيدي سعيد مول الزيتونة
والرتناني سيدي احسين جاء بين الويدان
والغليمي سيدي احمد العطفة يا ابن عباد
والقدميري سيدي عمر مولى حمرية
والتجاني سيدي احمد مول الوظيفة .
- وفي مرة ثالثة مدحته مكفرة عن ما صدر منها من هجو لاذع لشخصه وبهاء سلطته، قائلة :
القبيلة على ايديك
قالو ازهات الله يزهيها
الخزانة قالو رشات
القايد يجددها
البرادة قالو خوات
فاتح يعمرها .
وتذهب الرواية الشعبية إلى القول بأن استرحام احويدة فعل فعله المنشود في قلب القائد، فاستمهل النظر في أمرها، ولما طلبها من سجانها المدعو "الشايب"، أجابه هذا الأخير بأنه فتك بها بعدما أغاضه هجوها لسيده وقائده، ومن شدة غضبه على فعلة سجانه وحسرته المريرة على احويدة، أمر القائد بأن يجلد "حتى يعجز عن الكلام"، انتقاما واقتصاصا منه . (173).
3- إنهاك خزينة القائد في تغطية نفقات حرب أولاد زيد: ذكر القائد عيسى بن عمر بصريح العبارة، وفي غير مواربة ، أنه كابد مشاقا كثيرة في حرب ثوار أولاد زيد ، وضيع فيها أمواله(174)، وبالفعل فقد أنفق أموالا طائلة في تغطية كلفة هذه الحرب، جزء كبير منها ذهب لتسديد ديون المخزن السلطاني، لقاء ما زوده به من سلاح وذخيرة، وتشهد على ذلك رسالة مخزنية، وصلت إلى القائد بتاريخ 2 ذي القعدة سنة 1314 هـ موافق 1896، جاء فيها : " يأمرك مولانا أعزه الله أن تدفع الثلاثة والثلاثين مائة ريال والثمانية والتسعين ريالا ونصف التي هي بقية العدة … فوجه ذلك ليحل محله عاجلا "(175).
4- إرسال القوى الأوربية لأساطيلها الحربية إلى السواحل المغربية : تشي بعض الشوارد المتفرقة، أن أخبار انتفاضة أولاد زيد كانت موضوع أخبار وتعليقات الصحافة الأوربية، وضمنها صحافة إيطاليا(176)، كما كانت بالطبع ضمن مواد تقارير القناصل الأوربيين المعتمدين بالمغرب، مما كان يؤجج مخاوف حكوماتهم على رعاياها الموجودين بمدينة آسفي، والذين يمكن تقدير عددهم يومئذ في حدود المائتين(177) .
وفي وقت اشتداد المعارك بين الثوار وقائدهم عيسى بن عمر وشيعته "بادرت دول كإنجلترا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا والبرتغال بإرسال أساطيلها البحرية إلى مياه طنجة مترقبين ما عسى أن يحدث لرعاياهم من أذى وضياع حق"(178)، ومثل هذا التحرك العسكري الاستعراضي من هذه الدول، هو تعبير صارخ منها عن ما كان يتجاذبها من تنافس إستعماري حول الثلاثة والثلاثين مائة ريال والثمانية والتسعين ريالا ونصف المغرب، وتحين مستمر لكل فرصة سانحة للتدخل في شؤونه، وبهذه المناسبة تذهب إحدى الشوارد إلى القول بأن ثورة أولاد زيد كانت بتحريض وتحريك من فرنسا، التي كانت تخطط وقتئذ لغزو المغرب واحتلاله منطقة منطقة(179)، الشيء الذي قد يقود إلى التساؤل ألا يكون تنصيب الزرهوني قائدا على أولاد زيد فيما بعد، هو مكافأة متأخرة لقائد الثورة من خلال تحقيق حلمه في أحد أنجاله ، الذي كان هو الآخر أحد أطراف قيادتها ؟ وهو أمر نشكك فيه ، ولكننا لانملك دليلا لإثباته أو نفيه.
5- توسيع حدود إيالة عيسى بن عمر حتى مشارف مراكش والصويرة والجديدة : بعد أن أظهر القائد "حزما في ضبط منطقته ، وأثبت مقدرته في وضع حد لثورة خطـيرة، كوفئ بتوسيع دائرة نفوذه "(180)، فأصـبح سنة 1896 ، أي بعد سنة مـن سحق أولاد زيد عاملا على مجموع قبائل عبدة إذ ضم المخزن السلطاني إلى إيالته قيادتي قبيلتي الربيعة والعامر(181)، وبعد وفاة الوزير الوصي أحمد بن موسى ، صار القائد عيسى من بطانة الوزير المنبهي الذي استبد بالسلطة، وكون حاشية "تناهز حاشية أحمد بن موسى"، استكـثر فيها " كل من تصل إليه قوته كقواد القبائل "(182)، وعلى رأسهم قائدنا عيسى بن عمر، مما مدد من حدود سلطته، وجعل منه عاملا كبيرا على مناطق واسعة وقبائل كثيرة، في عبدة واحمر ودكالة والشياظمة، "تمتد من الواليدية إلى ما وراء تانسيفت، ومن المحيط حتى مسافة ستين كيلومتر من مراكش"(183)، بل أن نفوذه كان يمتد إلى مسافة أبعد إلى الرحامنة وشيشاوة وحاحا(184)، وصار كأنه أمير حقيقي(185)، بل يبدو" أن السلطان بلغ به الأمر إلى تسليمه ظهائر موقعـة على بياض، لتمكينه من تعيين وإبعاد القواد الواقعين تحت سلطته، وحسب رغبته"(186)، ولم تقف حدود سلطة عيسى بن عمر عند هذه الجهات، بل زحفت على مدينة آسفي وجوارها، ابتداء من سنة 1902، فأسند إدارتها إلى ابنه البكر أحمد بن عيسى (187)، في وقت أبعد فيه السلطان عاملها السابق حمزة بنهيمة، وعينه باشا على مدينة طنجة(188)، وقد يكون ذلك جزاء تراخيه في نصرة القائد عيسى ضد ثوار أولاد زيد، حين أقاموا بناحية آسفي، وقد يكون بإيعاز وحتى بدسيسة من قائدنا، الذي ما انفك نفوذه يزداد داخل دار المخزن، بدليل توسيع تخوم إيالته وما أسبله عليه يومها السلطان المولى عبد العزيز من ظهائر التوقير والاحترام.(189)
6-انتهاج عيسى بن عمر سياسة الدسائس والإيقاع بين القبائل وأفرادها : حتى يضمن قائدنا خضوع الأفراد والقبائل التام لسلطته وفروضه، ويتجنب تجدد الفتن بإيـالته المترامية الأطراف، فإنه طور جهاز استخباراته، حتى يمكنه الإحاطة بكل ما يجري فيها، ويكون على علم واطلاع بدقائق كل حركة صغيرة أو كبيرة، يقوم بها رعاياه من الأفراد والقبائل، فجند عددا كبيرا من العيون والجواسيس، دسهم بين القبائل والسكان وفي المساجد والزوايا والأسواق، كانوا يتخفون وراء شخصيات مختلفة كالفقيه والمتسول والعطار والمجذوب والمجنون ، يتصيدون الأخبار والإشاعات، ويبلغونها بلغة كلها رموز وايحاءات وتشفير، ظاهرها مضلل لكل متلصص وفضولي، وباطنها يكشف عن حقيقة الأمور، ولا يدرك حقيقة مغزاها ، ويفك رموزها سوى القائد، ومن ذلك بأن بلاد الشياظمة، عرفت تململا قبليا مريبا، استلزم من عيسى بن عمر الحذر واستنفار مخبريه، فجاءه ردهم مرمزا، في تقرير مطمئن ، يقول بالحرف الواحد : "أما الطيور البرية (أي الكاسرة،كناية على الثوار) فلا وجود لها، وأما القورع (صغار طيور أبي حسون أي الغوغاء) فحدث ولا حرج."(190).
كما اعتمد القائد سياسة حبك الخلافات والأحقاد والعداوات بين القبائل وأفرادها، بكل أطراف إيالته، إذ "لم يقتصر ذلك على عبدة، بل تعداه إلى دكالة وحمير والشياظمة"(191)، وبهذا التكتيك الشيطاني، تم ضرب وحدة القبائل ،(192) وإضعافها من الداخل، مما كان ينسجم تماما مع توجهات السياسة القبلية للوزير الوصي أحمد بن موسى، الذي كان يرى ضرورة "إضعاف القبائل وخضد شوكتها، حتى يكون جانب المخزن في أمان واطمئنان من كل ثورة وعصيان"(193)، الأمر الذي جعل من القائد عيسى أحد رواسي النظام المخزني ومرتكزاته في العهد العزيزي، مما كان يستدعي حضوره الشخصي باستمرار وانتظام داخل الحضرة السلطانية، فكان "يقضي ثلثي السنة بمراكش "(194)، وهي المدة التي كان يقضيها السلطان بهذه المدينة، زمن حكم وزيره الوصي أحمد بن موسى .
7-دعوة السلطان سائر عماله وقواده إلى التعاون والتعاضد في إخماد الفتن : لاشك أن المخزن المركزي أدرك من خلال ثورة أولاد زيد، وبالبرهان المفحم أن تعاون وتعاضد قواد وعمال عبدة ودكالة واحمر وآسفي، كان له دور الحسم في حصر شرور فتنة أولاد زيد، وفي التسريع بإخمادها وتصفية رؤوسها بعدما تعسر على القائد عيسى بن عمر تحقيق ذلك بمفرده فأصدر السلطان بعد شهر ونيف من سحقها ، وبالضبط في الثالث من ذي الحجة سنة 1313هـ، أمرا مولويا إلى سائر عماله وقواده أن يكونوا "يدا واحدة" ، وعونا لبعضهم بعضا في إخماد الفتن قبل أن يتسع تخريبها ، بعدما أصابت بعضهم في عرضه وماله وطوحت بقيادته، وقد شدد المولى عبد العزيز على ضرورة تحقيق ذلك بقوله "…فما زال العمال بخير ما تعاضدوا على الصلاح في النصيحة وتعاونوا بسيرة حميدة ونية حسنة، فثباتكم على هذا هو الكفيل بحصول الاستقامة المقصودة فيكم وبكم، وإلا فمن تساهـل في أمر وتراخى في فتح باب الضرر، فإنما فتحه على نفسه"(195).
إن المخزن المركزي بهذا التوجيه والنصيحة ، يسعى إلى حصر آفة الفتن التي زادت استفحالا في هذا العصر، وإلى تسخير الإمكانيات العسكرية المتوفرة لدى العمال والقواد في إخماد ما يشتعل من الفتن دونما حاجة إلى تدخله العسكري المباشر، ودونما إرهاق لجيشه وماليته المريضة كما وجد العمال والقواد في هذا التوجيه السلطاني مبتغاهم، إذ من شأنه أن يوحد جهودهم العسكرية فيما يخدم أمن واستقرار إيالاتهم ، ويحمي مصالحهم ووجودهم من كل تضرر وانهيار.