1 كتاب: مشاهدات في الشاوية ودكالة والرحامنة 2 الخميس مايو 03, 2012 9:08 am
doukkala
مشرف عام
إدمون دوتي ترجمة عبد الرحيم حزل
سوق سيدي بنور
وها إننا قد جئنا بعد لأي، في حوالي الساعة الثالثة، إلى سوق سيدي بنور، وهي سوق تنعقد كل ثلاثاء ويعتبر أهم مركز للمعاملات التجارية بين الجديدة ومراكش. والعادة في الأسواق المغربية أنها تنعقد من الزوال إلى نهاية اليوم، على خلاف الأسواق الجزائرية التي تنعقد من بداية النهار وتبلغ ذروة نشاطها في ما بين الساعة الثامنة والساعة العاشرة، ثم تختتم في الزوال. وعلى وجه العموم فالمغاربة في هذه المناطق التي نمر بها الآن يكثرون من النوم ويستيقظون في ولا يبكرون بالاستيقاظ مثل الجزائريين. ثم إنه لا يبدو أن المغاربة يواظبون على ارتياد الأسواق بقدر ما نرى عند الجزائريين. وتجد الرأي الشائع في بعض المناطق من الجزائر في الحط من شأن الرجل الذي لا يذهب إلى السوق ويقعد في الدوار، ولا تجد هذا التصور بمثل هذه الحدة في منطقة الحوز. ومن المعلوم أن بعض القوانين في منطقة القبايل الكبرى تفرض غرامات على أولئك الذين يمتنعون من المشاركة في السوق بذريعة أنهم لا يملكون ما يبيعون فيها أو ما به يشترون منها. ولا يبعد أن تجد قبيلاً بهذه الأمور عند الساكنة البربرية في المغرب.
تحريم الأكل في الأماكن العمومية
والمغاربة، أو على الأقل أولئك الذين نمر الآن بمناطقهم – يتناولون طعام الغذاء في السوق، وهذا شيءٌ يعتبر معيباً عند الجزائريين. ذلك بأن لدى الجزائريين اعتقاداً شديد الشيوع، وربما كان هذا الاعتقاد لدى المغاربة أيضاً، في تسفيه الأكل في الأماكن العمومية. ونحن نجد آثاراً لقبيل من هذه المعتقدات كذلك في البادية الفرنسية، كما نجدها عند كثير من الأقوام الأخرى. ونقف في هذه المناطق كذلك عادة أخرى من العادات البدائية، والعراقة التي تهتم بالبدائيين هي التي تسعفنا بتفسير لها. فالبدائي يعتقد أن الروح يزهق من الجسم من إحدى فتحاته، وتزهق خاصة من الفم، ولاسيما إذا كان هنالك عدو يسعى في استلالها بحيله ومكائده. ثم إن الروح يمكن أن يلحقها عند خروجها من الفم بعض التأثيرات السيئة. وإن معظم الممارسات التي تصاحب العطاس والتثاؤب واستعمال الحجاب، في كثير من الحالات، لها صلة بهذا الاعتقاد. وقد كانت الأقوام البدائية بوجه خاص تعتبر الأكل والشرب فعلين في غاية الخطورة، لأن الروح تكون أثناءهما عرضة لشتى المخاطر. لذلك كان البدائي إذا رغب في الأكل يختفي عن الأنظار ويتخذ شتى الاحتياطات. وقد كاد الإسلام أن يجعل الأكل داخل البيت وفي منأى عن أعين الغرباء من الواجبات. فقد جاء في الحديث «إن الذي يأكل وعينان تنظران إليه لا يأكل غير السم». وهنالك حديث آخر أدق من السابق في إفادة المعنى الذي نريد، وهو «الأكل في السوق دناءة». غير أن هذين الحديثين لم يردا، في حدود علمي، في كتب من الكتب المعتمدة في باب الحديث.
ويمكننا القول، فوق ذلك، إن المغربي يلزم نفسه من التحفظ والتهذب والاستحياء أكثر مما يفعل الجزائري، وحتى ليحدث الآخرين عن نفسه ويفشي لهم من تفاصيل حياته ما يعتبر من الأسرار الخاصة؛ ولا يحرج من الحديث عما يصيبه من الأمراض المخجلة، ولا يجد غضاضة في الحديث عن إصابته ببعض الأمراض الطارئة من قبيل القبض، وهي التي يرى الجزائري الموت أهون من إفشائها. ويتجلى انعدام الحياء في المغرب في مدنه خاصة في الحمامات، وحتى إنك لترى الجزائريين والتونسيين إذا زاروا المغرب يستحيون من دخول هذه الأماكن.
الخروف المشوي
ولما كانت العادة جارية على الأكل في الأسواق في المغرب، فهذا جعل الأسواق تمتلئ باللحم الذي يباع فيها جاهزاً للأكل، والناس كثيرو إقبال عليه. وأكل ما يطعمون لحم الخروف، وأما المشوي الجزائري المشهور، أو الخروف الذي يشوى كاملاً محمولاً على السفود، فيكاد يكون شيئاً مجهولاً في المغرب، وإنما الغالب عندهم أن يشووا الخروف في الفرن. وقد جعلت في الأسواق أفرنة خاصة، وهي على هيأة قبة وبها فتحة في الأسفل وأخرى في الأعلى. وهي تُحمى بشدة طوال الصباح، فإذا خمدت النار أدخلوا من الفتحة العلوية خرافاً كثيرة، ربما كانت عشرة أو اثني عشر إذا كان الفرن كبيراً، وتدلونها فيها، ويسدون فور ذلك الفتحتين بالطين والأعشاب، ويتركون الخراف هنالك مدة معلومة ليجهز فيها اللحم. ثم يعمدون إلى تلك الأفرنة عند الزوال فيفتحونها من قسمها العلوي ويخرجون اللحم ويجعلون يقطعونه وهو لا يزال حامياً. واللحم المشوي على هذه الطريقة يكون لذيذاً حقاً، ولو جاز لنا أن نبدي رأياً في شؤون الطبخ فلن نتردد في القول إن المشوي المغربي يفوق بكثير المشوي عندنا نحن الفرنسيين.
التصوير
لم تفطن الدكالية الصغيرة إلى أنني كنت ألتقط لها صورة، بيد أن هواة التصوير لا يتيسر لهم دائماً أن يمارسوا هوايتهم في هذا البلد. وقد تحقق لمصورات كوداك الأنجليزية الانتشار الواسع في مدينة مراكش في المدن الساحلية التي يكثر توقف القوارب التابعة لشركة فوروود فيها وإنزالها الحشود من السياح ذوي اللثامات الخضراء؛ بحيث إن من المغاربة قد أصبحوا اليوم يعرفون بالتصوير، وهم يلاقونه بكثير من الخوف والفزع. والسياح الذين لا يلتزمون التكتم الشديد وهم يقومون بالتصوير يجرون على أنفسهم في الكثير من الأماكن بعض المنغصات.
تسول
وأما اللبن الذي يقدم إلينا [نحن الأجانب] فلا نكن فيه من الواهمين؛ فلم يقدم إليَّ إناء اللبن أنا الأول بغرض الترحيب؛ حقاً إن البراءة والكرم يدفعان تلك الصبية إلى أن تقدم اللبن «فابور» إلى هذا الكافر، لكنني لا ألبث أن ألمح خلفها امرأة عجوزاً تقف هنالك مرادها بطبيعة أن تتحقق مما ستقبض مني الصبية. إنها طريقة في التسول يشجع عليها بعض الرحالة والمسافرين المفرطون في الكرم، لكنهم لا يدركون هذا السلوك الخير منهم لا يخفف في شيء من الاحتقار الذي يحمله لهم الأهالي. ثم يظل هذا الأسلوب في التسول يتكرر ما امتدت الطريق بالرحالة والمسافر، ألى أن يصير في بعض الأحيان محنة حقيقية. ثم قدمت إناء اللبن إلى مرافقي المسلم، وجعلت في تلك الأثناء أحاول أن ألتقط صورة للصبية الدكالية. إنها بحق فتاة تضفي عليها عفويتها سحراً وجاذبية، والأسمال التي تغطي جسمها لا تمنع سهولة حركاتها، ولا هي تنتقص من رقتها ولطافتها الفطرية. وما أن أدرت ظهري للصبية حتى جعلت كالمتوحشة تعارك المرأة العجوز على اقتسام النقود القليلة التي حصلت عليها منا.
سوق سيدي بنور
وها إننا قد جئنا بعد لأي، في حوالي الساعة الثالثة، إلى سوق سيدي بنور، وهي سوق تنعقد كل ثلاثاء ويعتبر أهم مركز للمعاملات التجارية بين الجديدة ومراكش. والعادة في الأسواق المغربية أنها تنعقد من الزوال إلى نهاية اليوم، على خلاف الأسواق الجزائرية التي تنعقد من بداية النهار وتبلغ ذروة نشاطها في ما بين الساعة الثامنة والساعة العاشرة، ثم تختتم في الزوال. وعلى وجه العموم فالمغاربة في هذه المناطق التي نمر بها الآن يكثرون من النوم ويستيقظون في ولا يبكرون بالاستيقاظ مثل الجزائريين. ثم إنه لا يبدو أن المغاربة يواظبون على ارتياد الأسواق بقدر ما نرى عند الجزائريين. وتجد الرأي الشائع في بعض المناطق من الجزائر في الحط من شأن الرجل الذي لا يذهب إلى السوق ويقعد في الدوار، ولا تجد هذا التصور بمثل هذه الحدة في منطقة الحوز. ومن المعلوم أن بعض القوانين في منطقة القبايل الكبرى تفرض غرامات على أولئك الذين يمتنعون من المشاركة في السوق بذريعة أنهم لا يملكون ما يبيعون فيها أو ما به يشترون منها. ولا يبعد أن تجد قبيلاً بهذه الأمور عند الساكنة البربرية في المغرب.
تحريم الأكل في الأماكن العمومية
والمغاربة، أو على الأقل أولئك الذين نمر الآن بمناطقهم – يتناولون طعام الغذاء في السوق، وهذا شيءٌ يعتبر معيباً عند الجزائريين. ذلك بأن لدى الجزائريين اعتقاداً شديد الشيوع، وربما كان هذا الاعتقاد لدى المغاربة أيضاً، في تسفيه الأكل في الأماكن العمومية. ونحن نجد آثاراً لقبيل من هذه المعتقدات كذلك في البادية الفرنسية، كما نجدها عند كثير من الأقوام الأخرى. ونقف في هذه المناطق كذلك عادة أخرى من العادات البدائية، والعراقة التي تهتم بالبدائيين هي التي تسعفنا بتفسير لها. فالبدائي يعتقد أن الروح يزهق من الجسم من إحدى فتحاته، وتزهق خاصة من الفم، ولاسيما إذا كان هنالك عدو يسعى في استلالها بحيله ومكائده. ثم إن الروح يمكن أن يلحقها عند خروجها من الفم بعض التأثيرات السيئة. وإن معظم الممارسات التي تصاحب العطاس والتثاؤب واستعمال الحجاب، في كثير من الحالات، لها صلة بهذا الاعتقاد. وقد كانت الأقوام البدائية بوجه خاص تعتبر الأكل والشرب فعلين في غاية الخطورة، لأن الروح تكون أثناءهما عرضة لشتى المخاطر. لذلك كان البدائي إذا رغب في الأكل يختفي عن الأنظار ويتخذ شتى الاحتياطات. وقد كاد الإسلام أن يجعل الأكل داخل البيت وفي منأى عن أعين الغرباء من الواجبات. فقد جاء في الحديث «إن الذي يأكل وعينان تنظران إليه لا يأكل غير السم». وهنالك حديث آخر أدق من السابق في إفادة المعنى الذي نريد، وهو «الأكل في السوق دناءة». غير أن هذين الحديثين لم يردا، في حدود علمي، في كتب من الكتب المعتمدة في باب الحديث.
ويمكننا القول، فوق ذلك، إن المغربي يلزم نفسه من التحفظ والتهذب والاستحياء أكثر مما يفعل الجزائري، وحتى ليحدث الآخرين عن نفسه ويفشي لهم من تفاصيل حياته ما يعتبر من الأسرار الخاصة؛ ولا يحرج من الحديث عما يصيبه من الأمراض المخجلة، ولا يجد غضاضة في الحديث عن إصابته ببعض الأمراض الطارئة من قبيل القبض، وهي التي يرى الجزائري الموت أهون من إفشائها. ويتجلى انعدام الحياء في المغرب في مدنه خاصة في الحمامات، وحتى إنك لترى الجزائريين والتونسيين إذا زاروا المغرب يستحيون من دخول هذه الأماكن.
الخروف المشوي
ولما كانت العادة جارية على الأكل في الأسواق في المغرب، فهذا جعل الأسواق تمتلئ باللحم الذي يباع فيها جاهزاً للأكل، والناس كثيرو إقبال عليه. وأكل ما يطعمون لحم الخروف، وأما المشوي الجزائري المشهور، أو الخروف الذي يشوى كاملاً محمولاً على السفود، فيكاد يكون شيئاً مجهولاً في المغرب، وإنما الغالب عندهم أن يشووا الخروف في الفرن. وقد جعلت في الأسواق أفرنة خاصة، وهي على هيأة قبة وبها فتحة في الأسفل وأخرى في الأعلى. وهي تُحمى بشدة طوال الصباح، فإذا خمدت النار أدخلوا من الفتحة العلوية خرافاً كثيرة، ربما كانت عشرة أو اثني عشر إذا كان الفرن كبيراً، وتدلونها فيها، ويسدون فور ذلك الفتحتين بالطين والأعشاب، ويتركون الخراف هنالك مدة معلومة ليجهز فيها اللحم. ثم يعمدون إلى تلك الأفرنة عند الزوال فيفتحونها من قسمها العلوي ويخرجون اللحم ويجعلون يقطعونه وهو لا يزال حامياً. واللحم المشوي على هذه الطريقة يكون لذيذاً حقاً، ولو جاز لنا أن نبدي رأياً في شؤون الطبخ فلن نتردد في القول إن المشوي المغربي يفوق بكثير المشوي عندنا نحن الفرنسيين.
التصوير
لم تفطن الدكالية الصغيرة إلى أنني كنت ألتقط لها صورة، بيد أن هواة التصوير لا يتيسر لهم دائماً أن يمارسوا هوايتهم في هذا البلد. وقد تحقق لمصورات كوداك الأنجليزية الانتشار الواسع في مدينة مراكش في المدن الساحلية التي يكثر توقف القوارب التابعة لشركة فوروود فيها وإنزالها الحشود من السياح ذوي اللثامات الخضراء؛ بحيث إن من المغاربة قد أصبحوا اليوم يعرفون بالتصوير، وهم يلاقونه بكثير من الخوف والفزع. والسياح الذين لا يلتزمون التكتم الشديد وهم يقومون بالتصوير يجرون على أنفسهم في الكثير من الأماكن بعض المنغصات.
تسول
وأما اللبن الذي يقدم إلينا [نحن الأجانب] فلا نكن فيه من الواهمين؛ فلم يقدم إليَّ إناء اللبن أنا الأول بغرض الترحيب؛ حقاً إن البراءة والكرم يدفعان تلك الصبية إلى أن تقدم اللبن «فابور» إلى هذا الكافر، لكنني لا ألبث أن ألمح خلفها امرأة عجوزاً تقف هنالك مرادها بطبيعة أن تتحقق مما ستقبض مني الصبية. إنها طريقة في التسول يشجع عليها بعض الرحالة والمسافرين المفرطون في الكرم، لكنهم لا يدركون هذا السلوك الخير منهم لا يخفف في شيء من الاحتقار الذي يحمله لهم الأهالي. ثم يظل هذا الأسلوب في التسول يتكرر ما امتدت الطريق بالرحالة والمسافر، ألى أن يصير في بعض الأحيان محنة حقيقية. ثم قدمت إناء اللبن إلى مرافقي المسلم، وجعلت في تلك الأثناء أحاول أن ألتقط صورة للصبية الدكالية. إنها بحق فتاة تضفي عليها عفويتها سحراً وجاذبية، والأسمال التي تغطي جسمها لا تمنع سهولة حركاتها، ولا هي تنتقص من رقتها ولطافتها الفطرية. وما أن أدرت ظهري للصبية حتى جعلت كالمتوحشة تعارك المرأة العجوز على اقتسام النقود القليلة التي حصلت عليها منا.