1 ضريح عائشة البحرية الأحد يناير 31, 2010 6:00 am
حواء
مشرف عام
ضريح عائشة البحرية
يحكى أن : عائشة قدمت من بغداد في رحلة عبر البحر للبحث عن الولي الصالح أبي شعيب الرداد، الذي انتشرت أخبار زهده وكراماته، وكانت قد تعرفت عليه أثناء مقامه في بغداد، حين كان يتابع دراسته لأصول الشريعة الإسلامية، فتعلقا ببعضهما البعض، غير أنهما فوجئا برفض زواجهما فعاد أبوشعيب يجر أذيال خيبته إلى قريته بأزمور، وما لبثت أن عقدت عزمها على لقاء الحبيب حين شدّت الرحال إليه، ولمّا بلغت أطراف الشاطئ بمصب وادي أم الربيع أدركها الموت غرقا، دون أن تنال حظوة اللقاء به، فدفنت هناك ليشيد ضريح أسطوري على قبرها، وأصابت أباشعيب الحسرة، قرر بعدها أن يعيش بقية حياته عازبا..
أمام الضريح لاح الشاب الثلاثيني مهموما، وحزينا..
بعد كلمات التعارف الروتيني، أخبرني أنه يزور ضريح بوشعيب الرداد كلما انتباته تلك الحالة من التوتر النفسي والضيق، بعد فشل كل الفقهاء في فك سحره، ونهبوا أمواله فقط من دون أي شيء ، وأن صاحبته هي التي (سحرت له) بعد أن افترقا، ولم ينكر أنه كان مخطئا في حقها… هكذا كل الرجال، بعد الحب والاستمتاع يبحثون عن أخرى.. لم أرغب في معرفة تفاصيل أدق.. لا سيما، وأن بعض النساء الخبيثات يلجأن إلى استخدام مناديلهن، وذلك بعصر العضو الذكري بعد العملية الجنسية!!
قال إنها تريده أن يبقى (باير)، بلا زواج.. هذا كل ما يهمها، والخمر لم تعد تؤثر فيه، وكل أصدقائه يتعجبون لأنه لا يسكر مهما شرب، لكن صحته تتدهور، ولم يعد يتصل به أحد هاتفيا.. فرص عمله تضاءلت كوسيط في بيت سيارات الأجرة، سألته إن سبق و زار طبيبا نفسانيا، خصوصا وأن حالات القلق والاكتئاب عادية جدا، فكان جوابه: الطبيب في حد ذاته مريض، وهل سنبقى نحكي لبعضنا..؟
يبدو أن صاحبنا يرى في الطب النفسي مجرد شعوذات.. فقلت لنفسي: لينعم بجهله!! وافترقنا…
يبدو أن صاحبنا يرى في الطب النفسي مجرد شعوذات.. فقلت لنفسي: لينعم بجهله!! وافترقنا…
وراح يبحث عن أحد معارفه في أزقة المدينة القديمة بحثا عن مخدر (المعجون).
في هذه اللحظة، امرأة حيزبون كادت أن تتعثر وهي تصعد الدرجات، فاستعاذت بالله من الشيطان الرجيم.. وأحسست بالشفقة على إبليس، وكأنه توارى خلفها مثل طفل مشاكس، وأغمض عينيها حتى تقع، وتفوتها الزيارة المباركة.
في الداخل، رجال ونساء، شيوخ وكهول يخلدون إلى الراحة، بجوار القبر المزدان بالفسيفساء، و أدركت كم هو محظوظ هذا الرداد،
في هذه اللحظة، امرأة حيزبون كادت أن تتعثر وهي تصعد الدرجات، فاستعاذت بالله من الشيطان الرجيم.. وأحسست بالشفقة على إبليس، وكأنه توارى خلفها مثل طفل مشاكس، وأغمض عينيها حتى تقع، وتفوتها الزيارة المباركة.
في الداخل، رجال ونساء، شيوخ وكهول يخلدون إلى الراحة، بجوار القبر المزدان بالفسيفساء، و أدركت كم هو محظوظ هذا الرداد،
وعلى مقربة منه قبور تتبول عليها القطط والكلاب، وتتناثر فوقها الأشواك والأزبال، وبعض النساء - سامحهن الله- شاهرات مؤخراتهن كغانيات متعبات، وكأنهن بلا أزواج….
خارج الضريح، كانت الشمس تلسع بسياط أشعتها، رغم أن الجو كان غائما يومها، وخمنت أن يكون من بين الراقدين بجوار بوشعيب الرداد من أنهكهم السفر أو قهرهم القيظ…
بجوار ضريح عائشة البحرية، نصبت خيام مهترئة، على شكل مطاعم، ومزارات دجالين وعرافات، وعبر ممر ضئيل يتدفق جدول ماء عكر، وقدر كبير مفحم، ملئ ماءً تغتسل به (زائرات) الضريح،
بعضهم يبيع الشموع والبخور و ماء الزهر. يثير الانتباه اللون الأخضر لمناديل وأعلام تبيع الوهم .. إحداهن تسوي ساعتها، وحذاؤها على الأرض ينتظر أن تنتعله، شعرها لازال به بلل، و إلى جانبها رجل أنيق في ريعان الشباب.. و على الجدران البيضاء للضريح كتابات بالحناء : أسماء شباب وشابات يحلمون بالنصف الآخر، و ديكة سود ضئيلة، لو أدركت ما ينتظرها لفرت.
ترى ما علاقة السواد وخضرة الحبال الصغيرة، التي ربطت بها إلى حجر؟ ولم يستخدم الديك الأسود والجدي الأسود في السحر؟ و لم تصدق النساء تلك الخرافات، التي تتعلق برجل يودن تقييده بحبل شرعي؟
أتساءل : لو أجري أي استطلاع تلفزيوني عن الضريح : هل سيسمح بتصوير ذلك الكم الهائل من الثياب الداخلية، والتي أغلبها أبيض اللون، وسط الأشواك والنفايات البشرية.. ثياب يتخلصن منها بعد الاغتسال ، كأي شيء منحوس؟ هل يمكن تصوير امرأة، وهي تتبول بين الأشواك؟ أم ستركز الكاميرا على بعض الأزبال المتناثرة هنا وهناك، على الرمال، و نهر أم الربيع وهو ينساب في هدوء تفتقده الدواخل، معانقا المحيط الأطلسي على إيقاع الدفوف والأهازيج الشعبية، وعربات (الكارو) التي تجرها الأنعام، مؤثثة مشهدا سياحيا رخيصا.. ؟؟
ترى ما علاقة السواد وخضرة الحبال الصغيرة، التي ربطت بها إلى حجر؟ ولم يستخدم الديك الأسود والجدي الأسود في السحر؟ و لم تصدق النساء تلك الخرافات، التي تتعلق برجل يودن تقييده بحبل شرعي؟
أتساءل : لو أجري أي استطلاع تلفزيوني عن الضريح : هل سيسمح بتصوير ذلك الكم الهائل من الثياب الداخلية، والتي أغلبها أبيض اللون، وسط الأشواك والنفايات البشرية.. ثياب يتخلصن منها بعد الاغتسال ، كأي شيء منحوس؟ هل يمكن تصوير امرأة، وهي تتبول بين الأشواك؟ أم ستركز الكاميرا على بعض الأزبال المتناثرة هنا وهناك، على الرمال، و نهر أم الربيع وهو ينساب في هدوء تفتقده الدواخل، معانقا المحيط الأطلسي على إيقاع الدفوف والأهازيج الشعبية، وعربات (الكارو) التي تجرها الأنعام، مؤثثة مشهدا سياحيا رخيصا.. ؟؟
يبدو ضريح عائشة البحرية بناء مهترئا مقارنة بضريح عشيقها، وأتمنى ألا تثير ملاحظتي البريئة والساذجة حنق جمعيات حليقات الرؤوس.. أحد المراهقين بعين يراقب مبخراته الميمونة، التي ينطلق منها البخور وعينه الأخرى على الزبونات، خصوصا الشابات.. يلاحقهن، يسألهن إن كن يردن الاغتسال في الضريح.. و من الداخل تنطلق زغردات فتيات وهن يغتسلن.. و امرأة تقف أمام الباب، وتمنع بنتا على مشارف المراهقة من أن تتلصص عليهن.. ومن بينهما يمرق صبي حاملا ديكا أسود مذبوحا… سارعت المرأة إلى إخفائه تحت عربة البضائع المقدسة.. حتما ينفع لـ (الخردولة) الليلة، وعرفت من أحد الباعة المتجولين أن تلك الديكة تستخدم للتخلص من (التابعة)، وصاحب المجامير يتبع امرأة خمسينية، بفستان مزركش الألوان، يبدو أنها مهمة للغاية، يشير إليها أن الشابة التي دخلت الضريح من زبائنه وترغب في الاغتسال.. أدركت أنها تجارة وهم وسمسرة فجة أيضا، و باسم بركة الأولياء… سألني المراهق وأنا أتأمل هذا المشهد التراجيكوميدي إن كنت أريد أن أتبخر معددا منافع دخانه الأبرك (ليت هذا الغبي يدرك أني كنت أتجول في الضريح الآخر وأنا لست على طهارة، ليس مهما إن بدوت معتزا بقذارتي، ما دام بعض زائراته عاهرات لا يغتسلن إلا مع حلول شهر رمضان ): السحر، الشعوذة، النحس، الثقاف.. فأشرت إليه بيدي بالنفي، وإلى جانبي كهل يضع على رأسه منديلا أخضر، بثياب متسخة، يتسول وهو يتدروش… يتخيله الناظر أحد المجانين قائلا له: هذا هو كل الفضل.. منوها بتمرير الفتى للمجمر الصغير تحت ساعدي شاب ممسكا بيديه.. هذا الشاب اتضح لي -لاحقا- ومن خلال كلامي معه في الحافلة أنه معتوه حقيقي، وقد جاء من خميس الزمامرة…!! والمرأة الخمسينية تجر سيدة بالقوة تطلب منها أن تأتي معها عند العرافة (الشوافة)، ورغم رفض السيدة الأولي.. استسلمت لها بعد أن قالت لها: لن تفعلي أي شيء.. و يبدو عليها من مظهرها أنها سيدة ذات مستوى ثقافي محترم و موظفة….
وداخل قبة الضريح امرأة تناول الزائرات الحناء المباركة.
وداخل قبة الضريح امرأة تناول الزائرات الحناء المباركة.
عدت إلى ضريح بوشعيب الرداد عصرا.. لمحت رجلا ملتحيا لا يبدو عليه أثر السفر، غارقا في أذكاره.. وسط النساء، وتساءلت بيني وبين نفسي: هل سيبقل هذا المحترم بوجود زوجته أو أخته أو ابنته، حتى لو كانت مع ألف امرأة، وبينهن رجل غريب؟! قد أبدو بسؤالي هذا غبيا ومتخلفا، وأتهم بأني معقد نفسيّا أيضا، لا سيما وأن هناك منافع جمة في مثل هكذا تجمعات وطقوس، لكن يبدو أن مجتمعنا المحافظ يسمح بالاختلاط، في مثل هذه الحالة… وألمح امرأة تمسك بالشباك الأخضر للقبر، وتمتم بكلمات، وتقبل يدها وتغادر المكان، و أخرى قبالة القبر تبكي وتتضرع بصوت خفيض، وكأن هذا السيد الراقد في مثواه الأخير ينوب عن خالق الكون عزّ و جلّ، وأسمع تثاؤب امرأة بصوت مسموع.. تمتمت بكلمات متذمرة، سمعتني المرأة التي بجانبي، فقالت لي إنه ليس تثاؤبا عاديا بل إن (المسلمين كايطلعوا) ويغادرونها.
وانهمكت في حديث جانبي مع شاب في العشرين من عمره كان بصحبة أسرته.. فجأة، صرخت المرأة التي بجانبي، وكانت تبدو لي - قبل لحظات- سيدة تدل هيئتها على أنها من الطبقة المتوسطة (بعكس تلك البدوية التي تتثاءب) بطريقة هستيرية منتفضة، وشرعت تترنح، غادرت مكاني للتو، ولاحظت أن جاري الشاب التصق بأخته مذعورا، أشرت إليه أن ينتقل من مكانه، ويجلس بجانبي لنكمل نقاشنا عن الإيمان بمثل هؤلاء الأموات، فاكتفى بإشارة بيده، كمن أصيب بخرس: لا.لا.لا.
أخذت أتأملها وهي مندمجة في طقوس الجذبة، و السيدة التي كانت تتثاءب بطريقة بشعة رأيتها تتراقص بنصفها العلوي في غاية الحبور… وامتدت يد الجارة إلى حقيبتها اليدوية، تناولت نظاراتها الشميسة، أمسكت مسبحة، وشرعت تمسح عرقها بفوطة، ثم انتقلت إلى جوار الشيخ الوسيم وهو يلتقط الدراهم بدعواته المستجابة.
غادرت المكان وفي نفسي شيء من حتى..
وخارج الضريح، لمحت فتيات يقمن بحملات تمشيط.. يقمن بجرّ البنات والنساء إلى محلات النقش بالحناء في إلحاح غريب، ويطلبن منهن أن ينقشن لصغيراتهن بعد الزيارة…
في أزمور.. هذه المدينة الفقيرة، الرابضة على ضفتي نهر أم الربيع تكاد تجد في كل خطوة وليّا، وبين خطوة وأخرى، تعترض سبيلك، لا سيما إن كنت غريبا عن المدينة.. دعوات نساء تجاوزن ما يصطلح عليه بأزمة منتصف العمر، وأحيانا عجائز ملثمات على حافة القبر يصرخن وبوقاحة، غير عابئات بمن حولهن من الباعة أو المارة: "أ رّاجل، باغي تكري؟" وتلك لغتهن الخاصة للسؤال إن كنت تبحث عن نساء… نساء يفتحن حافظات نقودهن قبل أن يخلعن ثيابهن؟ و الوسيطات نساء جميلات للغاية، يكاد القمر يغفو بين أهدابهن، لو رآى إحداهن شعراء الغزل لاعتزلوا
وانهمكت في حديث جانبي مع شاب في العشرين من عمره كان بصحبة أسرته.. فجأة، صرخت المرأة التي بجانبي، وكانت تبدو لي - قبل لحظات- سيدة تدل هيئتها على أنها من الطبقة المتوسطة (بعكس تلك البدوية التي تتثاءب) بطريقة هستيرية منتفضة، وشرعت تترنح، غادرت مكاني للتو، ولاحظت أن جاري الشاب التصق بأخته مذعورا، أشرت إليه أن ينتقل من مكانه، ويجلس بجانبي لنكمل نقاشنا عن الإيمان بمثل هؤلاء الأموات، فاكتفى بإشارة بيده، كمن أصيب بخرس: لا.لا.لا.
أخذت أتأملها وهي مندمجة في طقوس الجذبة، و السيدة التي كانت تتثاءب بطريقة بشعة رأيتها تتراقص بنصفها العلوي في غاية الحبور… وامتدت يد الجارة إلى حقيبتها اليدوية، تناولت نظاراتها الشميسة، أمسكت مسبحة، وشرعت تمسح عرقها بفوطة، ثم انتقلت إلى جوار الشيخ الوسيم وهو يلتقط الدراهم بدعواته المستجابة.
غادرت المكان وفي نفسي شيء من حتى..
وخارج الضريح، لمحت فتيات يقمن بحملات تمشيط.. يقمن بجرّ البنات والنساء إلى محلات النقش بالحناء في إلحاح غريب، ويطلبن منهن أن ينقشن لصغيراتهن بعد الزيارة…
في أزمور.. هذه المدينة الفقيرة، الرابضة على ضفتي نهر أم الربيع تكاد تجد في كل خطوة وليّا، وبين خطوة وأخرى، تعترض سبيلك، لا سيما إن كنت غريبا عن المدينة.. دعوات نساء تجاوزن ما يصطلح عليه بأزمة منتصف العمر، وأحيانا عجائز ملثمات على حافة القبر يصرخن وبوقاحة، غير عابئات بمن حولهن من الباعة أو المارة: "أ رّاجل، باغي تكري؟" وتلك لغتهن الخاصة للسؤال إن كنت تبحث عن نساء… نساء يفتحن حافظات نقودهن قبل أن يخلعن ثيابهن؟ و الوسيطات نساء جميلات للغاية، يكاد القمر يغفو بين أهدابهن، لو رآى إحداهن شعراء الغزل لاعتزلوا