1 قصة كوسوفا (1-4) بقلم د. راغب السرجاني الأحد فبراير 07, 2010 6:59 am
admin
Admin
أثار إقليم كوسوفا المسلم اهتمام العالم عامَّةً، والإسلامي منه خاصة مرات عديدة في القرون الأخيرة، وكان من أهمها بالنسبة للأجيال الحاضرة ما حدث فيه من مجازر للمسلمين على أيدي الصرب الأرثوذكس في التسعينيات، ثم ما تابعناه ونتابعه هذه الأيام من إعلان الإقليم لاستقلاله تحت مظلَّة حلف الأطلنطي وحمايته.
وإقليم كوسوفا من البلاد الإسلامية التي عانت من تجاهل المسلمين أو جهلهم لسنين طويلة؛ بحيث لم يكن كثير من المسلمين يعرفون أن هذا الإقليم إسلامي، أو به مسلمون أصلاً، إلا بعد أن جرت فيه المذابح الصليبية ضد المسلمين في التسعينيات من القرن العشرين، مثله في ذلك مثل دولة الشيشان والبوسنة والهرسك.
خريطة كوسوفا
وقد أجرينا استبيانًا على موقعنا طوال الأسبوع الماضي حول متابعة قضية كوسوفا، فبلغت أصوات من يتابعون القضية بقوة 12%، ونسبة من يتابعونها قليلاً 52%، أمَّا نسبة من لا يعلمون عنها شيئًا فهي 36%.
يحدث ذلك بينما كوسوفا دولة إسلامية غالبية سكانها مسلمون، وتاريخها مع الإسلام طويل يمتد قرونًا.
تقع كوسوفا في منطقة البلقان في جنوب شرقي قارة أوربا، وهي محاصرة من الشمال والشمال الشرقي "بصربيا"، ويحدُّها من الجنوب مقدونيا وألبانيا، ومن الغرب الجبل الأسود، وتبلغ مساحتها 10.887 كيلومتراً مربعًا، ويبلغ عدد سكان كوسوفا ثلاثة ملايين نسمة.
دخل الإسلام إلى كوسوفا في عام 1389م، إبَّان المواجهة الحاسمة بين العثمانيين بقيادة السلطان مراد الأول والصرب بقيادة (لازار)، في المعركة التي اشتُهِرت باسم "قوصوه" أو "كوسوفا" وقد هُزِم الصرب في تلك المعركة، وقُتِلَ فيها ملكهم (لازار) بعد هزيمة جيشه، كما استُشهِد السلطان مراد وهو يتفقد نتائج المعركة، ويتفحَّص الجثث؛ إذ قام إليه جندي صربي تظاهر بأنه مقتول، وطعنه بخنجرٍ؛ فأرداه قتيلاً.
وتتمتع كوسوفا بتركيب عِرْقي متنوِّع يضمُّ 90% من الألبـــان، و4% من الصرب، و3% من الأتراك، و2% من البوشناق، و1% قوميات أخرى، وتبـلغ نسبة المسلمين بين هذه الأعراق حوالي 95%.
وتعود أصول الكوسوفيين (الألبان) إلى القبائل الإيليرية ذات الجنس الآري، وقد سُمُّوا بأكثر من اسم منها الألبان والأرناؤوط وإشكيبتا، واتفق المؤرخون على أنها أول من نزل شبه جزيرة البلقان - في عصر ما قبل التاريخ - على شواطئ البحر الأدرياتيكي الشمالية والشرقية قبل قدوم اليونان، وكان ذلك منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة، ثم توسعت وانتشرت القبائل الإيليرية في أنحاء البلقان.
اجتمعت تلك القبائل بعد ذلك، وانتخبت رئيسًا لها، ثم أنشأ الإيليريون دولة لهم قبل الميلاد بثلاثة قرون (وجمهورية كوسوفا اليوم تقع في الموقع الذي كان يسكن فيه أجدادهم الداردانيون، والقبائل الإيليرية الأخرى)، وكانت دولتهم تسمى دارداني، وقد ضعفت دولتهم بمرور الزمن؛ فاحتلَّها الرومان، وبقيت تحت احتلالهم إلى أن زالت إمبراطوريتهم، وانقسمت إلى شرقية وغربية، وصارت بلاد الألبان تحت حكم الإمبراطورية الشرقية؛ حتى فتح المسلمون بلادهم ونعمت قرونًا تحت حكمهم.
اتَّفق المؤرِّخون على أن الإسلام دخل إلى البلقان قبل الفتح العثماني، وذلك عن طريق التجار والدبلوماسيين والدعاة، إلا أن ذلك كان على نطاق ضيق ومحدود. أمَّا انتشار الإسلام في تلك البلاد فقد كان بعد مجيئ العثمانيين؛ حيث دخل الشعب الألباني في الإسلام أفواجًا، وحَسُنَ إسلام الألبان، واندمجوا في الدولة العثمانية؛ حتى برز منهم قوَّادٌ عِظام مثل بالابان باشا (من قواد فتح القسطنطينية)، وعدد من كبار الكُتَّاب والشعراء كانوا يؤلِّفون بلغات خمس، هي: الألبانية والبوسنية والعربية والتركية والفارسية، مثل محمد عاكف أرسوي رحمه الله.
وقد تمكن الحكم العثماني في جزيرة البلقان بصورة نهائية بعد معركة (قوصوه)؛ فبعد هذه المعركة الحاسمة خضعت كوسوفا وصربيا للحكم العثماني ما عدا مدينة بلغراد؛ فإنها فُتِحَت في عهد السلطان سليمان القانوني؛ وذلك في 26 من شهر رمضان المبارك سنة 938 هـ/1521م.
كانت ولاية كوسوفا أكبر الولايات العثمانية في روملي (أوروبا)، وكانت أول عاصمة لها مدينة بريزرن، ثم مدينة بريشتينا، ثم مدينة أسكوب (أسكوبيه) عاصمة مقدونيا اليوم، وما زال عدد الألبان فيها إلى يومنا هذا أكبر من عددهم في تيرانا عاصمة ألبانيا.
منذ هزيمة الصرب على أيدي المسلمين في (قوصوه) عملوا على إنهاء الوجود الإسلامي في البلقان؛ ومن أجل ذلك قادوا تحالفًا مع بلغاريا والجبل الأسود وإليونان بهدف طرد الدولة العثمانية من البلقان، ثم الانفراد بالمسلمين هناك.
واشتدت المؤامرات على الدولة العثمانية من الخارج خاصةً في عصور ضعفها، وتمكنت صربيا من قيادة التمرد ضد الدولة في الداخل - في منطقة البلقان – حتى استطاعت أخيرًا أن تستقل عن الدولة العثمانية.
ثم وقع الألبان في أكبر خطأ في تاريخهم؛ إذ أعلنوا استقلالهم عن الدولة العثمانية أثناء الحرب البلقانية العثمانية سنة 1912م، ومنذ ذلك الوقت بدأت مرحلة تصفية الحساب مع الدولة العثمانية؛ حيث أعلن "الصليبيون" في البلقان حربهم ضد الإسلام والشعوب المسلمة هناك؛ ففي مؤتمر عقدته الدول الغربية المنتصرة في لندن عام 1912م، تم توزيع أجزاء من أراضي بلاد الألبان على المنتصرين، وبعد أن كانت مساحة ألبانيا حوالي 70 ألف كيلومتر مربع؛ فإنها بعد اقتسام الغنيمة تقلَّصت إلى حوالي 29 ألف كيلو متر مربع فقط.
المجازر الوحشية في كوسوفا
كانت كوسوفا من نصيب المملكة الصربية آنذاك، ومن يومها بدأت المذابح الجماعية للمسلمين في البلقان عموماً، وفي البوسنة وكوسوفا خصوصاً، وتقول إحدى الإحصائيات بأن عدد قتلى المسلمين في كوسوفا وحدها قريب من ربع مليون نسمة، هذا غير المهاجرين من ديارهم فراراً بدينهم وهم عشرات الألوف.
ثم بدأت مؤامرة جديدة بين تركيا العلمانية بقيادة مصطفى كمال أتاتورك وحكومة يوغسلافيا؛ وذلك بإفراغ البلاد من المسلمين، من خلال تهجير أعداد كبيرة منهم.
وبالفعل تم التوقيع على اتفاقية في عام 1938، تقضي بتهجير 400 ألف عائلة ألبانية مسلمة إلى تركيا.
وخلال الحرب العالمية الثانية ظلَّ قادة ما يسمى بحركة التحرير الشعبية ليوغسلافيا (وهي حركة قومية ماركسية) يتوددون إلى الشعب الألباني المسلم في كوسوفا لإقناعه بأن من حقهم الاستقلال عن المملكة الصربية، وأنهم في حال تسلُّمهم مقاليد الحكم في البلاد سيعيدون هذا الحق المغتصب للمسلمين في كوسوفا.
ولكن بعد أن اعتلى الماركسيون الشيوعيون الحكم في البلاد تناسى الشيوعيون وعودهم، وتذكروا فقط عداءهم للإسلام، وحقدهم على المسلمين؛ فقاموا بحملة إبادة واسعة للشعوب الإسلامية المنكوبة التي سيطروا عليها، وأرسلوا وحدات من الجيش لاحتلال كوسوفا الأمر الذي فوجئ به الألبان، وظلُّوا يقاومون الجيش طيلة ثلاثة أشهر - من شهر ديسمبر 1944م إلى فبراير 1945 م – حتى سقط في هذه المعارك قرابة 50 ألف شهيد من الشعب الألباني المسلم.
وفي عام 1945م قرَّرت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي تقسيم الأراضي الألبانية المحتلة بين ثلاث جمهوريات، هي: صربيا، ومقدونيا، والجبل الأسود؛ ومن ثَمَّ فقد أُلحِقَ إقليم كوسوفا بصربيا، وسُلِّمَت بعض الأراضي الألبانية ومَن عليها من سكان ألبانيين إلى جمهوريتي مقدونيا والجبل الأسود، الأمر الذي شتَّت العديد من أفراد الأسرة الواحدة بين هذه الدول.
وقد نصَّ الدستور اليوغسلافي الذي صدر سنة 1946م، على (تبعية كوسوفا لصربيا) كإقليم يتمتع بحكم ذاتي؛ مما مثَّل انتهاكًا كبيرًا لحقوق أهل الإقليم، وفوق ذلك فقد ظلَّ هذا الحُكم الذاتي يتقلَّص تدريجيًّا إلى أن أُلغِي بالكامل في دستور سنة 1963م.
ولكن بصدور دستور سنة 1974م تم تثبيت الحكم الذاتي وتوسيع نطاقه؛ إذ أصبحت كوسوفا بموجبه وحدة فيدرالية واحدة متساوية مع بقية الوحدات الفيدرالية الأخرى في البلاد، وهو ما انطبق على البوسنة أيضاً، الأمر الذي رفضه المسلمون فقاموا سنة 1981م بثورة شعبية على مستوى كوسوفا كلها، يطالبون فيها باستقلال كوسوفا عن صربيا نهائيًّا، ومنحها حكمًا ذاتيًّا في إطار يوغسلافيا الفيدرالية؛ الشيء الذي جعل السلطات الصربية تأمر القيادات العسكرية بقمع انتفاضة الشعب المسلم؛ حيث نزل الجيش المدجَّج بأفتك أنواع الدبابات، والأسلحة الحديثة التي راحت تحصد المسلمين هنا وهناك.
في المقال القادم:
الواقع الحالي في إقليم كوسوفا
كيف اتخذ المسلمون قرار الاستقلال؟!
وقد قُدِّرَ عدد قتلى المسلمين في اليوم الأول فقط من هذا الاجتياح بحوالي 300 قتيل، هذا فضلاً عن هدم البيوت، وتدمير المنشات الخدمية، وانتهاك حرمة المساجد والمدارس الدينية، وهتك أعراض الحرائر من أخواتنا المسلمات؛ مما أجَّج الثورة والغضب في نفوس المسلمين، وصاروا يتوقون بشدة إلى إعلان الاستقلال، وهذا ما فعلوه منذ أيام قلائل.
أمَّا عن الواقع الحالي في الإقليم، وكيف اتخذ المسلمون قرار الاستقلال؛ فهذا ما سنتحدث عنه في المقال القادم بإذن الله.
وإقليم كوسوفا من البلاد الإسلامية التي عانت من تجاهل المسلمين أو جهلهم لسنين طويلة؛ بحيث لم يكن كثير من المسلمين يعرفون أن هذا الإقليم إسلامي، أو به مسلمون أصلاً، إلا بعد أن جرت فيه المذابح الصليبية ضد المسلمين في التسعينيات من القرن العشرين، مثله في ذلك مثل دولة الشيشان والبوسنة والهرسك.
خريطة كوسوفا
وقد أجرينا استبيانًا على موقعنا طوال الأسبوع الماضي حول متابعة قضية كوسوفا، فبلغت أصوات من يتابعون القضية بقوة 12%، ونسبة من يتابعونها قليلاً 52%، أمَّا نسبة من لا يعلمون عنها شيئًا فهي 36%.
يحدث ذلك بينما كوسوفا دولة إسلامية غالبية سكانها مسلمون، وتاريخها مع الإسلام طويل يمتد قرونًا.
تقع كوسوفا في منطقة البلقان في جنوب شرقي قارة أوربا، وهي محاصرة من الشمال والشمال الشرقي "بصربيا"، ويحدُّها من الجنوب مقدونيا وألبانيا، ومن الغرب الجبل الأسود، وتبلغ مساحتها 10.887 كيلومتراً مربعًا، ويبلغ عدد سكان كوسوفا ثلاثة ملايين نسمة.
دخل الإسلام إلى كوسوفا في عام 1389م، إبَّان المواجهة الحاسمة بين العثمانيين بقيادة السلطان مراد الأول والصرب بقيادة (لازار)، في المعركة التي اشتُهِرت باسم "قوصوه" أو "كوسوفا" وقد هُزِم الصرب في تلك المعركة، وقُتِلَ فيها ملكهم (لازار) بعد هزيمة جيشه، كما استُشهِد السلطان مراد وهو يتفقد نتائج المعركة، ويتفحَّص الجثث؛ إذ قام إليه جندي صربي تظاهر بأنه مقتول، وطعنه بخنجرٍ؛ فأرداه قتيلاً.
وتتمتع كوسوفا بتركيب عِرْقي متنوِّع يضمُّ 90% من الألبـــان، و4% من الصرب، و3% من الأتراك، و2% من البوشناق، و1% قوميات أخرى، وتبـلغ نسبة المسلمين بين هذه الأعراق حوالي 95%.
وتعود أصول الكوسوفيين (الألبان) إلى القبائل الإيليرية ذات الجنس الآري، وقد سُمُّوا بأكثر من اسم منها الألبان والأرناؤوط وإشكيبتا، واتفق المؤرخون على أنها أول من نزل شبه جزيرة البلقان - في عصر ما قبل التاريخ - على شواطئ البحر الأدرياتيكي الشمالية والشرقية قبل قدوم اليونان، وكان ذلك منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة، ثم توسعت وانتشرت القبائل الإيليرية في أنحاء البلقان.
اجتمعت تلك القبائل بعد ذلك، وانتخبت رئيسًا لها، ثم أنشأ الإيليريون دولة لهم قبل الميلاد بثلاثة قرون (وجمهورية كوسوفا اليوم تقع في الموقع الذي كان يسكن فيه أجدادهم الداردانيون، والقبائل الإيليرية الأخرى)، وكانت دولتهم تسمى دارداني، وقد ضعفت دولتهم بمرور الزمن؛ فاحتلَّها الرومان، وبقيت تحت احتلالهم إلى أن زالت إمبراطوريتهم، وانقسمت إلى شرقية وغربية، وصارت بلاد الألبان تحت حكم الإمبراطورية الشرقية؛ حتى فتح المسلمون بلادهم ونعمت قرونًا تحت حكمهم.
اتَّفق المؤرِّخون على أن الإسلام دخل إلى البلقان قبل الفتح العثماني، وذلك عن طريق التجار والدبلوماسيين والدعاة، إلا أن ذلك كان على نطاق ضيق ومحدود. أمَّا انتشار الإسلام في تلك البلاد فقد كان بعد مجيئ العثمانيين؛ حيث دخل الشعب الألباني في الإسلام أفواجًا، وحَسُنَ إسلام الألبان، واندمجوا في الدولة العثمانية؛ حتى برز منهم قوَّادٌ عِظام مثل بالابان باشا (من قواد فتح القسطنطينية)، وعدد من كبار الكُتَّاب والشعراء كانوا يؤلِّفون بلغات خمس، هي: الألبانية والبوسنية والعربية والتركية والفارسية، مثل محمد عاكف أرسوي رحمه الله.
وقد تمكن الحكم العثماني في جزيرة البلقان بصورة نهائية بعد معركة (قوصوه)؛ فبعد هذه المعركة الحاسمة خضعت كوسوفا وصربيا للحكم العثماني ما عدا مدينة بلغراد؛ فإنها فُتِحَت في عهد السلطان سليمان القانوني؛ وذلك في 26 من شهر رمضان المبارك سنة 938 هـ/1521م.
كانت ولاية كوسوفا أكبر الولايات العثمانية في روملي (أوروبا)، وكانت أول عاصمة لها مدينة بريزرن، ثم مدينة بريشتينا، ثم مدينة أسكوب (أسكوبيه) عاصمة مقدونيا اليوم، وما زال عدد الألبان فيها إلى يومنا هذا أكبر من عددهم في تيرانا عاصمة ألبانيا.
منذ هزيمة الصرب على أيدي المسلمين في (قوصوه) عملوا على إنهاء الوجود الإسلامي في البلقان؛ ومن أجل ذلك قادوا تحالفًا مع بلغاريا والجبل الأسود وإليونان بهدف طرد الدولة العثمانية من البلقان، ثم الانفراد بالمسلمين هناك.
واشتدت المؤامرات على الدولة العثمانية من الخارج خاصةً في عصور ضعفها، وتمكنت صربيا من قيادة التمرد ضد الدولة في الداخل - في منطقة البلقان – حتى استطاعت أخيرًا أن تستقل عن الدولة العثمانية.
ثم وقع الألبان في أكبر خطأ في تاريخهم؛ إذ أعلنوا استقلالهم عن الدولة العثمانية أثناء الحرب البلقانية العثمانية سنة 1912م، ومنذ ذلك الوقت بدأت مرحلة تصفية الحساب مع الدولة العثمانية؛ حيث أعلن "الصليبيون" في البلقان حربهم ضد الإسلام والشعوب المسلمة هناك؛ ففي مؤتمر عقدته الدول الغربية المنتصرة في لندن عام 1912م، تم توزيع أجزاء من أراضي بلاد الألبان على المنتصرين، وبعد أن كانت مساحة ألبانيا حوالي 70 ألف كيلومتر مربع؛ فإنها بعد اقتسام الغنيمة تقلَّصت إلى حوالي 29 ألف كيلو متر مربع فقط.
المجازر الوحشية في كوسوفا
كانت كوسوفا من نصيب المملكة الصربية آنذاك، ومن يومها بدأت المذابح الجماعية للمسلمين في البلقان عموماً، وفي البوسنة وكوسوفا خصوصاً، وتقول إحدى الإحصائيات بأن عدد قتلى المسلمين في كوسوفا وحدها قريب من ربع مليون نسمة، هذا غير المهاجرين من ديارهم فراراً بدينهم وهم عشرات الألوف.
ثم بدأت مؤامرة جديدة بين تركيا العلمانية بقيادة مصطفى كمال أتاتورك وحكومة يوغسلافيا؛ وذلك بإفراغ البلاد من المسلمين، من خلال تهجير أعداد كبيرة منهم.
وبالفعل تم التوقيع على اتفاقية في عام 1938، تقضي بتهجير 400 ألف عائلة ألبانية مسلمة إلى تركيا.
وخلال الحرب العالمية الثانية ظلَّ قادة ما يسمى بحركة التحرير الشعبية ليوغسلافيا (وهي حركة قومية ماركسية) يتوددون إلى الشعب الألباني المسلم في كوسوفا لإقناعه بأن من حقهم الاستقلال عن المملكة الصربية، وأنهم في حال تسلُّمهم مقاليد الحكم في البلاد سيعيدون هذا الحق المغتصب للمسلمين في كوسوفا.
ولكن بعد أن اعتلى الماركسيون الشيوعيون الحكم في البلاد تناسى الشيوعيون وعودهم، وتذكروا فقط عداءهم للإسلام، وحقدهم على المسلمين؛ فقاموا بحملة إبادة واسعة للشعوب الإسلامية المنكوبة التي سيطروا عليها، وأرسلوا وحدات من الجيش لاحتلال كوسوفا الأمر الذي فوجئ به الألبان، وظلُّوا يقاومون الجيش طيلة ثلاثة أشهر - من شهر ديسمبر 1944م إلى فبراير 1945 م – حتى سقط في هذه المعارك قرابة 50 ألف شهيد من الشعب الألباني المسلم.
وفي عام 1945م قرَّرت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي تقسيم الأراضي الألبانية المحتلة بين ثلاث جمهوريات، هي: صربيا، ومقدونيا، والجبل الأسود؛ ومن ثَمَّ فقد أُلحِقَ إقليم كوسوفا بصربيا، وسُلِّمَت بعض الأراضي الألبانية ومَن عليها من سكان ألبانيين إلى جمهوريتي مقدونيا والجبل الأسود، الأمر الذي شتَّت العديد من أفراد الأسرة الواحدة بين هذه الدول.
وقد نصَّ الدستور اليوغسلافي الذي صدر سنة 1946م، على (تبعية كوسوفا لصربيا) كإقليم يتمتع بحكم ذاتي؛ مما مثَّل انتهاكًا كبيرًا لحقوق أهل الإقليم، وفوق ذلك فقد ظلَّ هذا الحُكم الذاتي يتقلَّص تدريجيًّا إلى أن أُلغِي بالكامل في دستور سنة 1963م.
ولكن بصدور دستور سنة 1974م تم تثبيت الحكم الذاتي وتوسيع نطاقه؛ إذ أصبحت كوسوفا بموجبه وحدة فيدرالية واحدة متساوية مع بقية الوحدات الفيدرالية الأخرى في البلاد، وهو ما انطبق على البوسنة أيضاً، الأمر الذي رفضه المسلمون فقاموا سنة 1981م بثورة شعبية على مستوى كوسوفا كلها، يطالبون فيها باستقلال كوسوفا عن صربيا نهائيًّا، ومنحها حكمًا ذاتيًّا في إطار يوغسلافيا الفيدرالية؛ الشيء الذي جعل السلطات الصربية تأمر القيادات العسكرية بقمع انتفاضة الشعب المسلم؛ حيث نزل الجيش المدجَّج بأفتك أنواع الدبابات، والأسلحة الحديثة التي راحت تحصد المسلمين هنا وهناك.
في المقال القادم:
الواقع الحالي في إقليم كوسوفا
كيف اتخذ المسلمون قرار الاستقلال؟!
وقد قُدِّرَ عدد قتلى المسلمين في اليوم الأول فقط من هذا الاجتياح بحوالي 300 قتيل، هذا فضلاً عن هدم البيوت، وتدمير المنشات الخدمية، وانتهاك حرمة المساجد والمدارس الدينية، وهتك أعراض الحرائر من أخواتنا المسلمات؛ مما أجَّج الثورة والغضب في نفوس المسلمين، وصاروا يتوقون بشدة إلى إعلان الاستقلال، وهذا ما فعلوه منذ أيام قلائل.
أمَّا عن الواقع الحالي في الإقليم، وكيف اتخذ المسلمون قرار الاستقلال؛ فهذا ما سنتحدث عنه في المقال القادم بإذن الله.