1 اخبارالتياها بنى هلال الأربعاء مايو 12, 2010 11:01 am
محمد بن هلال
مشرف عام
[color=red]
تعتبرُ عائلةُ العصيبي بطناً من بطونِ عشائرِ العلامات التابعة لقبيلة التياها، التي نزلت في الشمالِ الشرقي والشمال الغربي من وادي الشريعة، وغرباً حتى السواحلِ الشمالية والشرقية لوادي غزة. وتنقسم عشائرُ العلامات إلى ثلاثةِ فنود، هم أبو جقيم، والمزاغيل، وأبو شنار التي تتّبع لها عائلة العصيبي.
وعائلةُ العصيبي نفسها تتفرّعُ إلى أربعةِ فروعٍ هي: عائلة سليمان محمد، وعائلة عليان، وعائلة فرهود، وعائلة شتيوي.
أمَّا أراضي العائلة، فتنتشر على مساحاتٍ واسعةٍ ومتفرّقة، أشهرُها 'الكريبية' التي تقعُ إلى الجنوبِ من رهط، وأراضٍ تصلُ مساحتها إلى مائة وخمسينَ دونماً داخل مدينة رهط، وأراضٍ غربي بير أبو منصور بالقربِ من بير أبو مليحة أغلبها لعائلة عليان وعائلة فرهود. كما تملك العائلةُ أراضٍ بالقرب من منطقة زبالة (شوفال)، وأراضٍ غرب وجنوب نقطة الشرطة البريطانية، تُعرف باسم 'غزالة'، أغلبها لعائلتي سليمان وعليّان العصيبي. أما غرباً في منطقة 'بطيحة' القريبة من قُرى الكوفخة والمحرَّقة، فتمتلك عائلة محمد سليمان وحدها أراضٍ تقدر بـ300 دونم. ولكنَّ القسمَ الأكبَر من الأراضي الواسعةِ والمتصلة ببعضها، والتي تزيد عن ألفي دونم، فتقع في منطقة 'أبو سمارة'، شرقيّ 'معقد أبو عنوس' (مفترق إيشل هنسي)، وتُسمَّى 'وادي البويرية'، و'ذيل العرقوب، والخزّان، والثنينية'. وفيها ثلاث آبار هنّ: 'البابورية، والقبلية، وهرابة أبو شتيوي، وكلها 'آبار عدّ'.
بوايك الأهل.. وقبور الأجداد
وإجمالاً تمتلك عائلة العصيبي ما يقربُ من 8800 دونماً، تملك منها عائلة سليمان محمد ما يقارب 3500 دونماً، وعائلة عليان 2500 دونماً، وعائلة فرهود 2000 دونماً، وعائلة شتيوي ما يقارب 800 دونما.ً
أما بالنسبة للبيوت الثابتةِ على أراضيهم، والتي تسمى 'بوايك'، فتمتلك عائلة عليان ثلاثُ 'بوايك' و'جهيرٌ' ضخم، ولعائلة محمد سليمان ثلاث 'بوايك'، ولعائلة فرهود ثلاث 'بوايك'، ولعائلة شتيوي 'بايكتان' هما لسليمان وسلمان أبو شتيوي. وللعائلةِ مقبرةٌ في منطقة 'أبو سمارة'، ما زالت قائمة حتى اليوم وفيها ضريح فرهود العصيبي المتوفى في تاريخ 25 تشرين الثاني 1946، وأضرحةٌ على مساحة تُقارب سبع دونمات، وتقع على ناحيةِ الغرب من الشارع الذي يصلُ بين قرية الترابين ومدخل رهط الجنوبي لرهط.
وتحدُّ عائلة العصيبي في منطقةِ أبو سمارة من الجنوب الشرقي عائلة ابن جغيدم، وهي من بطون العزازمة، ومن الجنوب الغربي عائلتا أبو عبدون وأبو سمور، وهما من عائلات الحكوك، ومن الغربِ تحدُّهم عائلتا الحساسنة والمرابي، ومن الشمال الغربي عائلتا أبو محفوظ والعرجان، وهما من العائلات التي هُجّرت جميعُها إلى شرقي الأردن. ومن الشمال تحدّهم عائلة النعامي التي هُجّر غالبية أبنائها أيضاً إلى الأردن. ومن الجهةِ الشرقية تحدّهم عائلةُ القريناوي وعائلة أبو رقيع. وأما من الجهةِ الجنوبية، فتحدهم عائلةُ القرعان، والنقيز، والمزاغيل، وعائلة الشيخ محمد النعامي.
البطاط تُزرع لأول مرة
تُظهر الصورُ الملتقطة جواً في أربعينيات القرن الماضي أن سهولَ المنطقة كانت تزدهرُ بالكروم، التي قال عنها يوسف فرهود أنّها كرومُ عنبٍ وتين ومشمش وصبر ولوز.
يقول يوسف فرهد العصيبي قائلاً: إن جميعَ محاصيلِ الأراضي من الحبوب والبقول، بِيعت حتى الأربعينيات لتاجرٍ متعاقد معهم من غزة يُدعى صهيون، وهو عربي مسيحي كان يحمل الناتج على شاحنات تسمى 'طنطورة'. بالإضافة إلى ذلك زرعت العائلة البطيخ والشمام والبنادورة والبامية والذرة وغيرها. كما زرع حسن السلك، وهو رجل مزارعٌ من بلدة رفح كان يعمل لدى العائلة، البطاطا لأوّل مرة في أرض العصيبي وفي النقب عامة، ونجحت نجاحاً طيباً.
دراسة وتعليم.. رغم الصعوبات
درس الصبيةُ من عرب العصيبي وجيرانهم في منطقة 'الغرة'، الواقعة شرقي الثنينيّه ومقابل جسر 'أبو رقيّق' في أرض 'أبو جغيدم' التابعة لقبائل العزازمة، على يد 'شيخ كتّاب' من المغرب العربي، يُدعى الشيخُ عايش المغربي. وقد درس الصبية من عائلات العصيبي والقريناوي والعزازمة وغيرهم عنده الدين، والحساب، والعربية، في 'الغرة' حتى سنة 1944. وفي أواخر 1944 أُقيمت أوّل مدرسة للتعليم في تل أبو سمارة في أرض النعامي، وتتلْمذ الفتيةُ على اليدِ الشيخ محمد النعامي، حتى سنة 1946. وفي أواخر سنة 1946 تقدّم خليل أبو الحج القريناوي، وهو رجلٌ مثقف ومتعلم، إلى حكومةِ الانتداب بطلب إقامة مدرسةٍ حكومية على أرضه، وفعلاً أُقيمت أول مدرسةٍ حكوميةٍ رسمية شمالي أبو سمارة، وقد تمَّ الإشراف على منهاجها من قِبل الانتداب البريطاني مباشرةً، حيث استقطبت إليها العشرات من التلاميذ من شتى القبائل، واستمرت المدرسة حتى أواخر سنة 1947. كما أن الشيخ عبد الغني أبو شهاب كان يُحفّظ الصغار القرآن، ويعلمهم العربية والحساب.
رحلة التهجير.. عندما يتحوّل 'الجار' اليهودي إلى عدوّ!
أما عن التهجيرِ فيقول يوسف فرهود: في عام 1947 تسللت إلينا مجموعةٌ من كُبانية مشمار هنيجف المجاورة، وقاموا بسلب ثلاثة عجول، أذكُر أن أحدها كان لونُه أصفر. فاحتشد الناس الذين بدأوا باستشعار الخطر، لكي يستردّوا العجول، وكانت الحادثة بمثابة جس نبض لحسابات ردة الفعل. وفعلاً فقد دارت معركةٌ لمدة ساعتين بالقربِ من تلةٍ في منطقة معقد أبو عانوس، حتى تدخَّلت فيها القوات البريطانية، التي أنقذت الوضع من التدهور. وبعد يومين من هذه الموقعة تجمّعت قواتٌ من 'الهجاناة'، وقامت بمهاجمةِ منازلَ العائلةِ، وإطلاق نارٍ مكثَّف نحوهم، ففرَّ الناس إلى غربي كركور داخل مضاربِ عائلة النقيز. وقد نزحت يومها عائلةُ العصيبي، والقرعان، وقسمٌ من القريناوية وأبو رقيع، وأبو دقش، وغيرهم.
مجزرة العراقيب
ويروي شاهدُنا في هذه الجولة الميدانية فيقول: وفي هذه الفترةِ وقعت مجزرة سُميت بمجزرة بايكة سلاّم القواسمة، راح ضحيتها أربعة عشر رجلاً، في حادث قتلٍ جماعي وقع في بايكة سلام القواسمه من قبيلة العلامات. ويقول يوسف فرهود: أذكر أنَّ جيراناً لنا من عائلة العمراني وهم من قبائل الحويطات، وهم أخوة اثنان أحدهما ضرير اسمه مبارك، والأخر مبروك.. اقتادت قواتٌ من الجيشِ محمد بن مبارك إلى هرابة البابورية وأطلقوا عليه النار، فصُدم أبوه إثر الواقعة، ومرض مدة ستة أشهر ثم مات، ولحقت به زوجته أم محمد بعد شهرين، وشقيقه مبروك بعد عام إثر هذه الحادثة، ولم يبقَ من العائلة أحدٌ سوى محمود ابن مبارك، الذي أعتقد أنه يسكن في الرملة اليوم.
ويستطردُ يوسف قائلاً: ثم عاودت قوات 'الهجاناة' فهاجمت عربَ النقيز في النصفِ الأول من عام 1948، فنزحَ الجميع نحو منطقةِ عوجان، ثم إلى تلة عاليةٍ تطلُّ على بير السبع من الجهة الشمالية. ويتابع يوسف العصيبي قوله: وكنت وقتها ابنَ اثنتي عشر سنةً، وأذكر أنّ في منطقة النقب القريبةِ أحاطت بنا ثلاثة كُبانيات، 'كبانية الصوفي'، و'كبانية السر'، و'كبانية مشمار هنيجب'.
سقوط بير السبع
ويردف قائلاً: كنتُ شاهد عيانٍ على سقوط بير السبع، حيث قُصفت البلدة من الجو لمدة ستةِ أيام، وقد شاهدتُ الطائرةَ وهي تأتي من جهةِ الفالوجة، فتتجه شرقاً حتى منطقةِ عصلوج (ربيبيم اليوم)، ثم تدورُ وتتجه غرباً حتى بير السبع فتلقي فوقها المتفجرات. إستمرّ القصفُ المدفعي على البلدةِ من ثلاثة محاور، هي الغربِ والجنوب والشرق حتى اليومِ السادس بتاريخ 20.10.1948 عند الساعة الواحدة ليلاً حيث سقطت البلدة وفرَّ عدد من سكانها نحو خيامنا، وكان بينهم امرأةٌ مكشوفة الرأسِ، تضم في حضنها طفلةً رضيعة. ولن أنسى هذا المشهدَ ما حييت، حيث كانت المرأةُ تصرخ وتقول 'ضاعت العائلة كلها'.
النزوح يستمرّ
ويُكمل روايته: ثم نزحنا إلى جبلٍ، يقع في الجهة الجنوبية للقية، شرقي طويِّل أبو جرول، وقمنا حينها بإرسال جميعِ أغراضنا الثقيلة إلى رجلٍ من عائلة أبو علاّن في الظاهرية، حيث كانت بيننا وبينهم علاقاتٍ طيبة، لكي يُخفف عنّا ذلك مشقّاتِ التنقل والنزوح. وعند الساعةِ الثانية عشرة، تقدّمت نحونا دبابتان 'نصف مجنزرة'، ونزل منها عددٌ من الجنودِ وثلاثةِ ضباط، فامتطى أحدهم فرساً لمحمد العصيبي، وراح يعدو بها في كل جانب، والناس ينظرون في صمتٍ، فلا تكاد تسمع منهم إلا الشهيق والزفير. ثم جمعوا الرجال في حلقةٍ وقالوا لهم: لا نريد أن نرى أيّاً منكم هنا أو غربي منطقة وادي الخليل، فعليكم الانطلاق في غضون أربعةٍ وعشرين ساعة. فنزحنا إلى منطقة 'سعوة' بالقرب من الحدودِ الأردنية آنذاك. ولبثنا هناك شهرين، من تشرين الأول حتى كانون أول، نقاسي البرد، والفاقة، والمرض، والخوف.. ثم لحق بنا الجنودُ من جديدٍ، وأمرونا أن نعبر الحدود إلى منطقة الظاهرية، فنزحنا إلى منطقة أم الحيران في بردٍ قارس وفي ظروفٍ بائسة، وخطواتٍ ثقيلة من شدة المشقة والتعب، فمات في الطريق جدّي سليمان أبو دقش، ومحمد العصيبي، وبنات عمي عليان، هاجر وعزة، واثنان من العائلات التي معنا، ودُفنوا جميعاً في الظاهرية. وبقينا في أم الحيرانِ حتى شهرِ نيسان من عام 1948، وبعد أن احتُلّ النقبُ جميعه وصولاً إلى أم الرشراش، خفّت حينها الضغوطاتُ على الناس نسبياً.
ويقول يوسف فرهد العصيبي: لقد أمر أحدُ مشايخ القبائلِ من ذوي النفوذ لدى السلطات، أن لا يبقى أحد من قبائل العلامات في البلاد، بما فيهم نحن عائلة العصيبي، إلا أن شيخاً آخر تدّخل ومنع تهجيرنا، وتهجير بعض العائلات الأخرى، فمكثنا في العراقيب حتى 20 تشرين الثاني سنة 1951، حيث هُجّرنا من جديد مع عشائرِها إلى منطقة حورة اليوم، وقد تمَّ نقلنا بواسطةِ شاحناتٍ عسكرية. وكان الوضعُ في حورة مأساوياً للغاية، حيث شُحٌ في الماء، فكنا نرِد بير المشاش شرقاً، الذي يبعد عنّا خمسة عشر كيلومتر، أو إلى بير أم الحمامِ جنوباً، أو إلى بير أبو محفوظ غرباً في منطقة عمرة، وكلها تبعد نفس المسافةِ تقريباً.
وما زالت الحسرةُ والألم يعصران قلبه كلما كان يستحضرُ طفولته، وينظر إلى ربوعِ أرض الآباءِ والأجداد.
وللأمانة المهنية، علينا الإشارة إلى أنَّ أرضَ عائلة فرهود انتقلت إلى ملكية الدولة بعد اتفاقية 'تسوية' بين الأطراف'، كما أخبرنا هو عن ذلك بأسفٍ وألمٍ شديدين.[/color]
تعتبرُ عائلةُ العصيبي بطناً من بطونِ عشائرِ العلامات التابعة لقبيلة التياها، التي نزلت في الشمالِ الشرقي والشمال الغربي من وادي الشريعة، وغرباً حتى السواحلِ الشمالية والشرقية لوادي غزة. وتنقسم عشائرُ العلامات إلى ثلاثةِ فنود، هم أبو جقيم، والمزاغيل، وأبو شنار التي تتّبع لها عائلة العصيبي.
وعائلةُ العصيبي نفسها تتفرّعُ إلى أربعةِ فروعٍ هي: عائلة سليمان محمد، وعائلة عليان، وعائلة فرهود، وعائلة شتيوي.
أمَّا أراضي العائلة، فتنتشر على مساحاتٍ واسعةٍ ومتفرّقة، أشهرُها 'الكريبية' التي تقعُ إلى الجنوبِ من رهط، وأراضٍ تصلُ مساحتها إلى مائة وخمسينَ دونماً داخل مدينة رهط، وأراضٍ غربي بير أبو منصور بالقربِ من بير أبو مليحة أغلبها لعائلة عليان وعائلة فرهود. كما تملك العائلةُ أراضٍ بالقرب من منطقة زبالة (شوفال)، وأراضٍ غرب وجنوب نقطة الشرطة البريطانية، تُعرف باسم 'غزالة'، أغلبها لعائلتي سليمان وعليّان العصيبي. أما غرباً في منطقة 'بطيحة' القريبة من قُرى الكوفخة والمحرَّقة، فتمتلك عائلة محمد سليمان وحدها أراضٍ تقدر بـ300 دونم. ولكنَّ القسمَ الأكبَر من الأراضي الواسعةِ والمتصلة ببعضها، والتي تزيد عن ألفي دونم، فتقع في منطقة 'أبو سمارة'، شرقيّ 'معقد أبو عنوس' (مفترق إيشل هنسي)، وتُسمَّى 'وادي البويرية'، و'ذيل العرقوب، والخزّان، والثنينية'. وفيها ثلاث آبار هنّ: 'البابورية، والقبلية، وهرابة أبو شتيوي، وكلها 'آبار عدّ'.
بوايك الأهل.. وقبور الأجداد
وإجمالاً تمتلك عائلة العصيبي ما يقربُ من 8800 دونماً، تملك منها عائلة سليمان محمد ما يقارب 3500 دونماً، وعائلة عليان 2500 دونماً، وعائلة فرهود 2000 دونماً، وعائلة شتيوي ما يقارب 800 دونما.ً
أما بالنسبة للبيوت الثابتةِ على أراضيهم، والتي تسمى 'بوايك'، فتمتلك عائلة عليان ثلاثُ 'بوايك' و'جهيرٌ' ضخم، ولعائلة محمد سليمان ثلاث 'بوايك'، ولعائلة فرهود ثلاث 'بوايك'، ولعائلة شتيوي 'بايكتان' هما لسليمان وسلمان أبو شتيوي. وللعائلةِ مقبرةٌ في منطقة 'أبو سمارة'، ما زالت قائمة حتى اليوم وفيها ضريح فرهود العصيبي المتوفى في تاريخ 25 تشرين الثاني 1946، وأضرحةٌ على مساحة تُقارب سبع دونمات، وتقع على ناحيةِ الغرب من الشارع الذي يصلُ بين قرية الترابين ومدخل رهط الجنوبي لرهط.
وتحدُّ عائلة العصيبي في منطقةِ أبو سمارة من الجنوب الشرقي عائلة ابن جغيدم، وهي من بطون العزازمة، ومن الجنوب الغربي عائلتا أبو عبدون وأبو سمور، وهما من عائلات الحكوك، ومن الغربِ تحدُّهم عائلتا الحساسنة والمرابي، ومن الشمال الغربي عائلتا أبو محفوظ والعرجان، وهما من العائلات التي هُجّرت جميعُها إلى شرقي الأردن. ومن الشمال تحدّهم عائلة النعامي التي هُجّر غالبية أبنائها أيضاً إلى الأردن. ومن الجهةِ الشرقية تحدّهم عائلةُ القريناوي وعائلة أبو رقيع. وأما من الجهةِ الجنوبية، فتحدهم عائلةُ القرعان، والنقيز، والمزاغيل، وعائلة الشيخ محمد النعامي.
البطاط تُزرع لأول مرة
تُظهر الصورُ الملتقطة جواً في أربعينيات القرن الماضي أن سهولَ المنطقة كانت تزدهرُ بالكروم، التي قال عنها يوسف فرهود أنّها كرومُ عنبٍ وتين ومشمش وصبر ولوز.
يقول يوسف فرهد العصيبي قائلاً: إن جميعَ محاصيلِ الأراضي من الحبوب والبقول، بِيعت حتى الأربعينيات لتاجرٍ متعاقد معهم من غزة يُدعى صهيون، وهو عربي مسيحي كان يحمل الناتج على شاحنات تسمى 'طنطورة'. بالإضافة إلى ذلك زرعت العائلة البطيخ والشمام والبنادورة والبامية والذرة وغيرها. كما زرع حسن السلك، وهو رجل مزارعٌ من بلدة رفح كان يعمل لدى العائلة، البطاطا لأوّل مرة في أرض العصيبي وفي النقب عامة، ونجحت نجاحاً طيباً.
دراسة وتعليم.. رغم الصعوبات
درس الصبيةُ من عرب العصيبي وجيرانهم في منطقة 'الغرة'، الواقعة شرقي الثنينيّه ومقابل جسر 'أبو رقيّق' في أرض 'أبو جغيدم' التابعة لقبائل العزازمة، على يد 'شيخ كتّاب' من المغرب العربي، يُدعى الشيخُ عايش المغربي. وقد درس الصبية من عائلات العصيبي والقريناوي والعزازمة وغيرهم عنده الدين، والحساب، والعربية، في 'الغرة' حتى سنة 1944. وفي أواخر 1944 أُقيمت أوّل مدرسة للتعليم في تل أبو سمارة في أرض النعامي، وتتلْمذ الفتيةُ على اليدِ الشيخ محمد النعامي، حتى سنة 1946. وفي أواخر سنة 1946 تقدّم خليل أبو الحج القريناوي، وهو رجلٌ مثقف ومتعلم، إلى حكومةِ الانتداب بطلب إقامة مدرسةٍ حكومية على أرضه، وفعلاً أُقيمت أول مدرسةٍ حكوميةٍ رسمية شمالي أبو سمارة، وقد تمَّ الإشراف على منهاجها من قِبل الانتداب البريطاني مباشرةً، حيث استقطبت إليها العشرات من التلاميذ من شتى القبائل، واستمرت المدرسة حتى أواخر سنة 1947. كما أن الشيخ عبد الغني أبو شهاب كان يُحفّظ الصغار القرآن، ويعلمهم العربية والحساب.
رحلة التهجير.. عندما يتحوّل 'الجار' اليهودي إلى عدوّ!
أما عن التهجيرِ فيقول يوسف فرهود: في عام 1947 تسللت إلينا مجموعةٌ من كُبانية مشمار هنيجف المجاورة، وقاموا بسلب ثلاثة عجول، أذكُر أن أحدها كان لونُه أصفر. فاحتشد الناس الذين بدأوا باستشعار الخطر، لكي يستردّوا العجول، وكانت الحادثة بمثابة جس نبض لحسابات ردة الفعل. وفعلاً فقد دارت معركةٌ لمدة ساعتين بالقربِ من تلةٍ في منطقة معقد أبو عانوس، حتى تدخَّلت فيها القوات البريطانية، التي أنقذت الوضع من التدهور. وبعد يومين من هذه الموقعة تجمّعت قواتٌ من 'الهجاناة'، وقامت بمهاجمةِ منازلَ العائلةِ، وإطلاق نارٍ مكثَّف نحوهم، ففرَّ الناس إلى غربي كركور داخل مضاربِ عائلة النقيز. وقد نزحت يومها عائلةُ العصيبي، والقرعان، وقسمٌ من القريناوية وأبو رقيع، وأبو دقش، وغيرهم.
مجزرة العراقيب
ويروي شاهدُنا في هذه الجولة الميدانية فيقول: وفي هذه الفترةِ وقعت مجزرة سُميت بمجزرة بايكة سلاّم القواسمة، راح ضحيتها أربعة عشر رجلاً، في حادث قتلٍ جماعي وقع في بايكة سلام القواسمه من قبيلة العلامات. ويقول يوسف فرهود: أذكر أنَّ جيراناً لنا من عائلة العمراني وهم من قبائل الحويطات، وهم أخوة اثنان أحدهما ضرير اسمه مبارك، والأخر مبروك.. اقتادت قواتٌ من الجيشِ محمد بن مبارك إلى هرابة البابورية وأطلقوا عليه النار، فصُدم أبوه إثر الواقعة، ومرض مدة ستة أشهر ثم مات، ولحقت به زوجته أم محمد بعد شهرين، وشقيقه مبروك بعد عام إثر هذه الحادثة، ولم يبقَ من العائلة أحدٌ سوى محمود ابن مبارك، الذي أعتقد أنه يسكن في الرملة اليوم.
ويستطردُ يوسف قائلاً: ثم عاودت قوات 'الهجاناة' فهاجمت عربَ النقيز في النصفِ الأول من عام 1948، فنزحَ الجميع نحو منطقةِ عوجان، ثم إلى تلة عاليةٍ تطلُّ على بير السبع من الجهة الشمالية. ويتابع يوسف العصيبي قوله: وكنت وقتها ابنَ اثنتي عشر سنةً، وأذكر أنّ في منطقة النقب القريبةِ أحاطت بنا ثلاثة كُبانيات، 'كبانية الصوفي'، و'كبانية السر'، و'كبانية مشمار هنيجب'.
سقوط بير السبع
ويردف قائلاً: كنتُ شاهد عيانٍ على سقوط بير السبع، حيث قُصفت البلدة من الجو لمدة ستةِ أيام، وقد شاهدتُ الطائرةَ وهي تأتي من جهةِ الفالوجة، فتتجه شرقاً حتى منطقةِ عصلوج (ربيبيم اليوم)، ثم تدورُ وتتجه غرباً حتى بير السبع فتلقي فوقها المتفجرات. إستمرّ القصفُ المدفعي على البلدةِ من ثلاثة محاور، هي الغربِ والجنوب والشرق حتى اليومِ السادس بتاريخ 20.10.1948 عند الساعة الواحدة ليلاً حيث سقطت البلدة وفرَّ عدد من سكانها نحو خيامنا، وكان بينهم امرأةٌ مكشوفة الرأسِ، تضم في حضنها طفلةً رضيعة. ولن أنسى هذا المشهدَ ما حييت، حيث كانت المرأةُ تصرخ وتقول 'ضاعت العائلة كلها'.
النزوح يستمرّ
ويُكمل روايته: ثم نزحنا إلى جبلٍ، يقع في الجهة الجنوبية للقية، شرقي طويِّل أبو جرول، وقمنا حينها بإرسال جميعِ أغراضنا الثقيلة إلى رجلٍ من عائلة أبو علاّن في الظاهرية، حيث كانت بيننا وبينهم علاقاتٍ طيبة، لكي يُخفف عنّا ذلك مشقّاتِ التنقل والنزوح. وعند الساعةِ الثانية عشرة، تقدّمت نحونا دبابتان 'نصف مجنزرة'، ونزل منها عددٌ من الجنودِ وثلاثةِ ضباط، فامتطى أحدهم فرساً لمحمد العصيبي، وراح يعدو بها في كل جانب، والناس ينظرون في صمتٍ، فلا تكاد تسمع منهم إلا الشهيق والزفير. ثم جمعوا الرجال في حلقةٍ وقالوا لهم: لا نريد أن نرى أيّاً منكم هنا أو غربي منطقة وادي الخليل، فعليكم الانطلاق في غضون أربعةٍ وعشرين ساعة. فنزحنا إلى منطقة 'سعوة' بالقرب من الحدودِ الأردنية آنذاك. ولبثنا هناك شهرين، من تشرين الأول حتى كانون أول، نقاسي البرد، والفاقة، والمرض، والخوف.. ثم لحق بنا الجنودُ من جديدٍ، وأمرونا أن نعبر الحدود إلى منطقة الظاهرية، فنزحنا إلى منطقة أم الحيران في بردٍ قارس وفي ظروفٍ بائسة، وخطواتٍ ثقيلة من شدة المشقة والتعب، فمات في الطريق جدّي سليمان أبو دقش، ومحمد العصيبي، وبنات عمي عليان، هاجر وعزة، واثنان من العائلات التي معنا، ودُفنوا جميعاً في الظاهرية. وبقينا في أم الحيرانِ حتى شهرِ نيسان من عام 1948، وبعد أن احتُلّ النقبُ جميعه وصولاً إلى أم الرشراش، خفّت حينها الضغوطاتُ على الناس نسبياً.
ويقول يوسف فرهد العصيبي: لقد أمر أحدُ مشايخ القبائلِ من ذوي النفوذ لدى السلطات، أن لا يبقى أحد من قبائل العلامات في البلاد، بما فيهم نحن عائلة العصيبي، إلا أن شيخاً آخر تدّخل ومنع تهجيرنا، وتهجير بعض العائلات الأخرى، فمكثنا في العراقيب حتى 20 تشرين الثاني سنة 1951، حيث هُجّرنا من جديد مع عشائرِها إلى منطقة حورة اليوم، وقد تمَّ نقلنا بواسطةِ شاحناتٍ عسكرية. وكان الوضعُ في حورة مأساوياً للغاية، حيث شُحٌ في الماء، فكنا نرِد بير المشاش شرقاً، الذي يبعد عنّا خمسة عشر كيلومتر، أو إلى بير أم الحمامِ جنوباً، أو إلى بير أبو محفوظ غرباً في منطقة عمرة، وكلها تبعد نفس المسافةِ تقريباً.
وما زالت الحسرةُ والألم يعصران قلبه كلما كان يستحضرُ طفولته، وينظر إلى ربوعِ أرض الآباءِ والأجداد.
وللأمانة المهنية، علينا الإشارة إلى أنَّ أرضَ عائلة فرهود انتقلت إلى ملكية الدولة بعد اتفاقية 'تسوية' بين الأطراف'، كما أخبرنا هو عن ذلك بأسفٍ وألمٍ شديدين.[/color]