1 الحى البرتغالى المغربى والاهمية التراثية الأحد مايو 16, 2010 7:18 am
ahmed
عضو فعال
مر الاحتفاء بالذكرى الخامسة لتصنيف منظمة اليونسكو، الحي البرتغالي بالجديدة، تراثا إنسانيا وحضاريا، هذه السنة، في أجواء خلت من البهرجة والتباهي أمام عدسات الكاميرات وآلات التصوير.
وشكلت المائدة المستديرة التي احتضنتها، الخميس الماضي، رحاب الخزانة الوسائطية بحديقة الحسن الثاني بعاصمة دكالة، التي نشطها متخصصون في التاريخ والتراث والآثار والأنتربولوجيا والآداب والعلوم الإنسانية وفنانون وفعاليات جمعوية، (شكلت) نقطة تأمل حول هذه المعلمة الحضارية، والتي تشكل وجها مشرقا من تاريخ المملكة المغربية.
في ظل اللامبالاة والإهمال الذي طاله، بات الحي البرتغالي آيلا للخراب والاندثار. ودق الحاضرون والمحاضرون ناقوس الخطر، من خلال التدخلات والنقاشات المستفيضة، التي انبثقت عن الندوة الفكرية، والتي نظمها مركز دراسات وأبحاث التراث المغربي البرتغالي، بتعاون مع جمعية الحي البرتغالي، في موضوع "الحي البرتغالي: أي تأهيل لما بعد التصنيف العالمي ؟".
التراث شأن عام
لم يتعد عمر الجلسة الفكرية، والتي جاءت في قالب متميز، خرج عن إطار اللقاءات التقليدية، حيز الساعتين والنصف، وشملت 15 مداخلة، مختزلة ومركزة، انصبت أساسا على تشخيص واقع الحي البرتغالي، مع تقديم اقتراحات عملية بغية إخراج هذه المعلمة التاريخية من قسم الإنعاش التي مازالت تتواصل مع الحياة، ومع العالم الخارجي، عن الطريق التنفس الاصطناعي. واعتبر أبو القاسم الشبري، بصفته مدير مركز دراسات وأبحاث التراث المغربي البرتغالي بالجديدة، الذي يعنى بالتراث المغربي البرتغالي على امتداد ربوع المملكة، وكذا بصفته منتدبا من طرف وزارة الثقافة ومنظمة اليونسكو، ناهيك عن كونه مسؤولا رسميا لتدبير الحي البرتغالي، (اعتبر) في مداخلته أن التراث شأن عام، ولا يجب أن يبقى محتكرا وحكرا على المتخصصين والمسؤولين، والبيروقراطيين.
نواقص وسلبيات
من جهته، عدد عز الدين كرا، المندوب الإقليمي لوزارة الثقافة بالجديدة، النواقص التي تشوب الحي البرتغالي، والذي قد نستفيق في يوم من الأيام، لنجد أن منظمة اليونسكو قد سحبت منه التصنيف الذي منحته في 30 يونيو 2004 كتراث إنساني وحضاري.
واسترسالا في الحديث، اعتبر أبو القاسم الشبري أن الغاية من هذه المائدة المستديرة، والتي هي بمثابة دردشة فكرية وعلمية، تكمن في تشخيص النواقص، والوقوف على مكامن الخلل في تدبير الحي البرتغالي، بغية دمجه كتراث في التنمية البشرية والاقتصادية، وتأهيله والحفاظ عليه، واستثماره بما يستجيب لآمال وتطلعات السكان.
ورغم من أن ثمة نقط ضوء باهتة في العناية بالحي البرتغالي، فقد أجمع المتدخلون على النواقص والسلبيات الكثيرة، التي يعانيها هذا النسيج التراثي الزاخر والمتنوع، التي اختزلوها في انعدام استراتيجية واضحة للتدخل، من أجل ترميم وتأهيل فضاءات الحي البرتغالي، وتركز الترميمات الضئيلة، على أجزاء دون أخرى من النسيج العمراني، وانعدام التنسيق بين كل المتدخلين، والذي وصف (التنسيق) بـ"الفظيع"، وانعدام التواصل والتحسيس، وتهميش هيئات وفعاليات المجتمع المدني، في كل التدخلات، والإقصاء الممنهج لمركز دراسات وأبحاث التراث المغربي البرتغالي، عند صياغة مشاريع التأهيل، وكل ما يتعلق بالحي، رغم أنه المركز المعني مباشرة بتدبير مآثر الحي البرتغالي، والنقص المهول في الحراسة الأمنية، وغياب الدراسات، وانعدام التوثيق، والنقص في الكتابات التاريخية والأدبية، والسطو على مرافق الحي، وعلى عناصر أثرية ومتحفية، منها مدافع وعناصر معمارية وغيرها، وانعدام التناسق في عمليات الترميم والإصلاح، التي تنجزها الجهات المسؤولة، أو التي ينجزها الخواص، وغياب خرجات دراسية ومدرسية، وجهل غالبية السكان بالذخائر التراثية للحي، وانفصام المحيط التربوي والجامعي، وغياب الاستثمار والترويج السياحي، وندرة الأنشطة، ومحدودية الإقبال عليها، والجهل بالحمولة الثقافية، وبالعناصر السوسيو–ثقافية التي عاشها الحي تاريخيا، إلى أمد قريب، وغياب العناية بمحيط الحي البرتغالي، والذي يجب أن يكون في تناغم مع هذا الأخير.
تهميش وحصار
هذا، وبرز جليا استئثار غياب التنسيق باهتمام كل المتدخلين. ما حذا بقوة بأبو القاسم الشبري، مدير مركز دراسات وأبحاث التراث المغربي البرتغالي، إلى شجب تهميش المركز الذي يشرف عليه، فيما يتعلق بالحي البرتغالي.
وذهب إلى حد توجيه تهمة ضد مجهول، وتكمن في ما اعتبره "حصارا مضروبا عنوة على مركز التراث المغربي البرتغالي،ما بات يعرقل كل أعمال هذا الأخير، إلى أن أصبح مشلولا". ودعا مدير المركز المسؤولين إلى التنسيق والتناغم في ما بينهم، وإشراك هيئات وفعاليات المجتمع المدني، والتركيز على التواصل، وكذا إلى حركة التنشيط الثقافي، واحترام الضوابط التي تحكم كل معلمة مصنفة تراثا إنسانيا، وذلك حتى يستجاب لكل التدخلات التقنية والاجتماعية (...).
تثمين وتطلعات
ثمن المتدخلون والمهتمون بالحي البرتغالي اقتراح عبد الحنين بلحاج، نائب رئيس جامعة شعيب الدكالي، والداعي إلى أن تأخذ الجامعة على عاتقها تنظيم ندوة سنوية قارة، تعنى بالحي البرتغالي، وأعربوا عن أملهم في خلق مركز للتوثيق والأرشفة، وإحداث متحف بالحي البرتغالي، والعناية بالموروث الثقافي–الأنتربولوجي، مع التركيز على التواصل والتحسيس، والترويج لسياحة ثقافية هادفة ومسؤولة، في إطار منظور متحرك، يجعل من التراث قاطرة للتنمية المستدامة في منطقة دكالة، والتي تزخر بمعالم تاريخية وأثرية، طالها للأسف الإهمال، وأصبحت آيلة للسقوط والاندثار من سجل تاريخ المملكة المغربية، والمثال الصارخ يأتينا كذلك من قلعة بولعوان.
ويلات وإقصاء وإهمال
لقد أجهز على دكاكين تجار درب (الدكاكة)، قبالة الملاح، والتي شيدت مكانها حديقة، وترى الفعاليات أن تصنيف "مزاغان" تراثا عالميا، لم يجلب لها ولسكانها خلافا للانتظارات والتطلعات، سوى الويلات والشؤم، سيما في ظل تقاعس المجلس البلدي، واحتدام التنافس مع مركز التراث المغربي البرتغالي بالجديدة، حيث إن الجماعة الحضرية تسعى جاهدة إلى فرض سلطة الوصاية على الحي البرتغالي، وتبقى المندوبية الإقليمية لوزارة الثقافةخارج دائرة الصراع، أو بالأحرى في حالة شرود.
فمنذ أن صنفته منظمة اليونسكو في 30 يونيو 2004، تراثا إنسانيا، والحي البرتغالي يتخبط في وحل من النفايات والأزبال، وأصبحت أسواره الخارجية، سيما المحاذية لمحطة توقف حافلات النقل العمومي (الطوبيسات)، مراحيض للتبول. وتتفرج الجهات الوصية بسلبية على سقوط جزء مهم من بنايته. وزال "الكارلاج" من الممرات، والتي خصصت لها جهة دكالة–عبدة غلافا ماليا برسم سنة 2008 بلغ 45 مليون سنتيم، واكتسحت الأعشاب الطفيلية والفضلات البشرية، والحفر العميقة هذه الممرات، والتي يسلكها يوميا العشرات من السياح الأجانب، وتعطلت الدراسة التي عهد بها إلى إحدى الشركات العمرانية، لإعادة هيكلة الحي البرتغالي، وأبدت أسر تخوفاتها المشروعة، من أن ترحل من بيوتها بذريعة هذه الهيكلة.
ويعاني سكان "الملاح" من غياب معالجة حقيقية لمشاكلهم، والتي لا حصر لها، ويفترض إشراك هؤلاء في صياغة تصورات، ولها علاقة بالمشاريع التنموية التي تتناسب وتطلعات المدينة القديمة "مزاغان".
واعتبرت الفعاليات أن التعامل مع الحي البرتغالي يقوم على أساس كونه سجنا مغلقا، أو منطقة معزولة، لا تحظى بالاهتمام، فباستثناء بعض الأنشطة "المحتشمة" التي تمليها الظروف والظرفيات، فإن لا أحد فكر في فتح فضاءات الملاح، سواء الداخلية أو الخارجية، وتوظيفها في احتضان أنشطة ثقافية وتربوية وسياحية وترفيهية هادفة، تتسم بتسطير برنامج غني ومتنوع، يفعل على امتداد السنة، ويعهد بالإشراف عليه للجمعيات النشيطة في الجديدة، التي غالبا ما تغيب للأسف. وضع تبدو معه الجماعة الحضرية للجديدة، والمندوبية الإقليمية لوزارة الثقافة، والجهات الوصية، قاصرة عن خلق برنامج حقيقي، من شأنه أن يشكل نواة للنشاطات الثقافية والفنية، يستفيد منه سكان الجديدة والحي البرتغالي، والزوار الذين يفدون ويتوافدون على الجديدة.
تفويت المعالم التاريخية
والأخطر أن فضاءات ومعالم تاريخية داخل الحي البرتغالي قد فوتت لأشخاص ذاتيين، كما الشأن بالنسبة إلى سجن النساء القديم، والذي فوت أخيرا لجمعية تعنى بالصناعة التقليدية، التي أصبحت أبوابها، بعيد تدشين مقرها الجديد، مصفدة في وجه العموم. وكان يفترض أن تحول هذه المعلمة إلى متحف لحفظ التاريخ وذاكرة السجن القديم والأخطر كذلك أنه، وفي غياب الحماية الأمنية، بات الحي البرتغالي مرتعا للمتسكعين والمنحرفين، ومصدر جشع وطمع "لصيادي الكنوز"، الذين عمدوا إلى تخريب أسواره الداخلية، بحثا عن ذهب "الإدورادو" الضائع !
وفاة الفن والثقافة
تعيش دكالة بشهادة المهتمين والمتتبعين للشأن الثقافي والفني، على إيقاع ندرة النشاطات والتظاهرات الثقافية والفنية والمهرجانات. دكالة الغنية بفنانيها وأدبائها الذين يعتبرون رافدا أساسيا من روافد الحقل الثقافي والفني الوطني، سيما أنها تزخر بأسماء فنانين وأدباء ورموز مرموقة على المستوى الوطني، وحتى الدولي. رموز طالها النسيان والإهمال، إذ لم يعد يتذكرها التاريخ أو الذاكرة الجماعية، إلا بعد رحيلها إلى دار البقاء.
وبخصوص المعارض النادرة، والتي تتحكم في تنظيمها الظرفيات والمناسبات، فإن الفعاليات ترى أن إقامتها يجب أن تطبعها الاستمرارية. كما يجب أن ينخرط ذلك في صلب الاستراتيجية الثقافية العامة لوزارة الثقافة، والتي تتوخى الإحاطة بكافة مناحي الحقل الثقافي، في مختلف جهات وأقاليم المملكة، من خلال دعم المديرية الجهوية لوزارة الثقافة بجهة دكالة–عبدة، والجمعية الإقليمية للشؤون الثقافية بالجديدة، للفعل الثقافي بعاصمة دكالة، وبالجماعات التابعة لها (آزمور، وسيدي بنور...).
ومن ثمة، فإن سؤال الراهنية يأتي من منطلق يستدعي حرص الجهات الوصية جهويا وإقليميا ومحليا على الحفاظ على المكتسبات التشكيلية والفنية بإقليم الجديدة، مع طرح آفاق تطويرها ودعمها باستمرار، بعيدا عن المناسبات والمحافل الرسمية التي تواكبها عدسات آلات التصوير والكاميرات، والحضور "البروتوكولي" و"الاستعراضي" لبعض المسؤولين والرسميين، الذي غالبا ما يكون من أجل الاستهلاك "الإعلامي"!
نبذة من تاريخ دكالة
خلافا للاعتقاد السائد، فإن تاريخ دكالة لا يمكن البتة اختزاله في الحي البرتغالي، أو في حقبة الاستعمار البرتغالي، فتاريخ المنطقة جذوره ضاربة في القدم، وحافل بالملحمات البطولية، التي ساهمت، عبر الأزمنة والعصور، في صنع تاريخ المملكة المغربية المشرق. وعرفت مدينة الجديدة، عبر الحقب التاريخية، تسميات مختلفة، منها بورتيس ريتليس، والبريجة، ومازيغن، والمهدومة، وكان الفينيقيون أول من وضع حجرها الأساس قبل 3600 سنة. وفي مطلع القرن السادس عشر، وتحديدا سنة 1502، حط الرحالة البرتغالي جورج ديملو الرحال على أرضها الخصبة والمعطاة، وتحديدا في موقع الشيخ ابريجة، والذي أصبح في ما بعد يعرف بـ"مزاغان"، تحويرا لاسم "مازيغن".
ويعود موقع الجديدة إلى 700 سنة قبل الميلاد، وشرع البرتغاليون في بناء السور العظيم للحي البرتغالي سنة 1514، واستعملت في بنائه مواد محلية من صخر وحجر وجير. واستغرق التشييد إلى غاية سنة 1541. وسنة 1769، أجلي البرتغاليون عن الجديدة على يد سيدي محمد بن عبد الله، وسنة 1916 اكتشف تاجر يهودي الفسقية أو المطفية البرتغالية عن طريق الصدفة، عندما كان يعتزم توسيع دكانه.
وسميت مدينة الجديدة بـ"المهدومة"، بعد أن عمد البرتغاليون عند إجلائهم منها، إلى دفن 24 برميلا من البارود في السور الموالي للمدينة، قرب برج سانت أطوان، وفور أن غادرها الغزاة عبر باب البحر على مقربة من برج الملائكة فجروا السور.