1 مولاي عبد الله أمغار تاريخ حافل و طقوس غريبة الجمعة يوليو 09, 2010 10:42 pm
admin
Admin
على بعد عشر كيلومترات جنوب مدينة الجديدة تقع جماعة مولاي عبد الله التي حملت اسم وليها الشهير وتعرف سنويا نزوح آلاف المغاربة من كل الجهات، ليكون اكبر موسم على الصعيد الوطني على خلفية عدد زواره الذي يفوق مليونين وخيامه التي تحول فضائه إلى ما يشبه مدينة خيام. والزائر لابد وان يقف مشدوها أمام مظاهره المميزة للحياة بدكالة والتي لها من الإثارة ما يجعلها عامل جدب وإعجاب حقيقيين تخلق لديه شعورا بجمالية الحياة المغربية.وجرت العادة أن يقوم الفلاحون ببيع منتجاتهم والعمل على تهيئ جيادهم وترويضها استعدادا لـ"الحركة" بضم الراء وجمع الخيمة ولوازمها إلى حيث مكان الموسم، ثم يحضر حفظان الضريح للاعتناء به بطلاء جدرانه وضمان الماء فيه وغسل أثاثه والحفاظ على نظافته فتبدأ الطقوس والعادات المتوارثة بتقديم كسوة الضريح والذبيحة في موكب رسمي على أنغام فرق عيساوة كما تقوم "السربات" بزيارة الضريح للتبرك و طلب "التسليم" درءا لحدوث مكروه.والوافد على هده المنطقة قد لا يعلم أن سيدي عبد الرحمان المجدوب الشخصية المغربية الشهيرة وصاحب أشهر الرباعيات الزجلية قد ولد بها في احد أيام رمضان للعام الهجري 909 قبل أن يرحل للاستقرار بمكناسة الزيتونة ولأسباب مجهولة لم يوضحها كتاب المناقب الذين تحدثوا عن هذا الوالي الصالح فقد رحل عنها رفقة والده إلي مكناسة الزيتونة واستقر بها.
وتقول إحدى مصادر عبد العظيم الزموري وهي معلومات يطغى عليها الطابع الأسطوري أن رجلا من المدينة المنورة اسمه إسماعيل أمغار تماثلت له رؤيا في نومه تأمره بالرحيل إلي المغرب لينفع الناس ببركاته. فاصطحب معه اخوين له يعقوب وأبي زكرياء إلي حيث قادهم نور سماوي إلى منطقة تيط (منطقة جماعة مولاي عبد الله) حيث استقبله السكان من صنهاجة ودكالة استقبالا حسنا.
ولم يلبث أن حظي بالإجلال والتقدير من قبل السكان الصنهاجيين فزوجه زعيمهم بابنته التي رزق منها بإسحاق الذي كان على خلق أبيه زاهدا متعبدا. ويذكر صاحب كتاب جواهر الكمال في تراجم الرجال أن نسب مولاي عبد الله يعود إلى الحسين بن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه ومن الكرامات التي تحكى عنه يقول صاحب كتاب التشوف إلى أصل التصوف انه كان يوتر الصلات في جزيرة صغيرة وسط البحر لم يعد لها اثر اليوم. وكان يخلع نعليه ويخطو باتجاه البحر سائرا حافي القدمين على سطح الماء دون أن تبتل قدماه أو يغرق حتى يبلغ أطراف الجزيرة صحبة أتباعه ومريديه يراقبون مشدوهين فاغري ألفاه.
والخلاصة أن تيط رباط كبير أسسته أسرة شريفة رابطت بالمنطقة في منتصف القرن الثاني عشر ميلادية، وعندما نزل البرتغاليون سنة1513 م بمدينة ازمور أعلن سكان تيط خضوعهم والتزموا لهم بأداء إتاوة سنوية لكن السلطان الوطاسي محمد نظم حملة عسكرية ضد البرتغاليين.واستولى على تيط وقتل جابي الملك البرتغالي ورحل سكان المدينة إلى ضواحي فاس ثم أمر بتخريب الأسوار حتى لا يستعمل البرتغاليون هذا الحصن سنة1514م.ويذكر الكانوني انه قد دفن بتيط من الامغاريين الشيخ أبو الفداء إسماعيل والشيخ أبو عبد الله أمغار وفي هده الفترة بذات مدينة تيط تفقد تدريجيا أهميتها الاقتصادية والإستراتيجية لتتحول إلى قرية صغيرة وسط أطلال الرباط القديمة.
وعلى بعد اثني عشر كيلومترا من الجديدة إلى اسفي عبر الطريق الساحلية تمتد بقايا أسوار وأبواب وأبراج منيعة يذكر التاريخ أنها تعود لأسباب دفاعية ضد الغارات المسيحية وهى آثار قاومت قوة الطبيعة ولازالت اليوم تشهد على أمجاد تاريخ المنطقة العريق وتنفتح الأسوار على أبواب مختلفة الشكل.
وفي مكان قريب من البحر تنتصب صومعة على زاوية مولاي عبد الله، ويذكر التاريخ ايضا أن لتيط مكانة ضمن كبريات المدن المغربية وهي مثال فريد في العمران.وأقوى دليل على القوة التي تمتعت بها عائلة المغاريين خلال القرن الثاني عشر الميلادي هو أقدس رباط بحري في بلاد المغرب، أما تسمية المدينة باسم تيط.وللفظ في الأصل بربري يقابله في اللغة العربية العين وحسب المصادر الإسلامية فان المنطقة كانت تسمى بالبربرية تيطنفطر أي عين الفطر بينما تقول بعض الروايات الشفوية أن هده التسمية جاءت بناء على كون سكان المنطقة كانوا يفطرون بالماء بعد الصيام قبل تناول الفطور.
وفي أيام الموسم يفد إلى جماعة مولاي عبد الله آلاف الزوار لتشكل امتدادا بشريا هائلا هو أقرب لنزوح شبه جماعي يتكرر في هذه الفترة من كل سنة. وتصطف عربات محملة بالخيام ولوازم الاصطياف على جنبات الطريق على امتداد الشاطئ وتنتشر آلاف من الخيام على طول سور المدينة العتيقة إلى حدود دور السكان الواقعة بجانب الضريح أو خلفه.وتصبح كل المهن والحرف مشروعة المنظمة والغير منظمة والمنفلتة عنوة من لجان المراقبة وشروط الصحة والجودة، تتناسل السلع مثل الفطر من كرموس، طايب اوهاري، الحرشة والمسمن والبوكاديوس، سردين مشوي، ومالذ وطاب من أنواع الطاجين، وينام الناس كيفما اتفق ويأكلون ويزدحمون كما اتفق ويرمون نفاياتهم مخلفين جبال من والقاذورات تتحول فيما بعد الى مختبر لمختلف الحشرات الزاحفة والطائرة.وتعرف زيارة الوالي الصالح إقبالا منقطع النظير وما أن يتقدم الزائر نحو الضريح حتى تطالعه لوازم الزيارة المعروضة علي طول الممر الذي يقود إلى الضريح شموع وبخور وتمائم وحلي ومجامر.وفي الجانب الأخر نساء ينقشن الأيادي والأرجل بالحناء، في الداخل ثابوث يقوم الباحثين عن البركة بتقديم الشموع وبدورة حول الضريح ثم الخروج من الباب الخلفي، دخول وخروج لا ينقطع، وهناك نساء يمكثن طويلا بجانب الثابوث يتلو ن اقراحهن ورجائهن.
ولكن هل وحده الموسم والتبرك بضريح الوالي الصالح هو ما يحمل الزوار على القدوم إلى موسم مولاي عبد الله امغار؟تبدأ الزيارة إلى "المحكن" من الساعات الأولى لصباح الجمعة الباكر في هدا المكان السحري الاستشفائي بالساحل الصخري قبالة ضريح الوالي الصالح وغير بعيد عنه حيث تنتصب خيمتان لـ" شوافتان" لاستقبال كل من أعجزتهن الحيلة في طرد "تابعة" أو نحس اونيل عريس طال انتظاره أو علاج من مرضا أوفك ضيق.وتقتضي شروط الزيارة الخضوع لطقوس "المجمر" بالسير جيئة وذهابا فوقه تنثر الشوافة على جمره أعشاب من نوع خاص تدعى "التبخيرة" قبل أن تعمد المتبركات إلى إلقائه خلفها ليتهشم فيذهب حسب اعتقادهن الضيق أو النحس.وتبدأ المرحة التالية باستحمامهن عاريات كما ولدتهن أمهاتهن في سبعة أمواج داخل مكان صخري سحري "المحكن" حتى أن المتلصصين في غفلة منهن يشكلون حضورا يوميا للتملي بتفاصيل أجسادهن فتبقى الأعناق مشرئبة حتى عصر اليوم موعد انتهاء الفرجة.وهكذا يتكرر المشهد كل أيام الموسم حين تحج إليه شابات من كل فج واغلبهن من المناطق القريبة من مدينة الجديدة ومنهن الراغبات في طرد نحسهن أو عانسات أو متوجسات من تقدم العمر بهن. وفي ركن قريب من الضريح الوالي الصالح يوجد مكان مبلط في شكل دائرة يتوسطه عمودا إسمنتيا يشبه إلى حد ما قفص المتهمين داخل المحاكم يقصده المتخاصمون المتنازعون ليدفعوا بالمشتبه به إلى وضع يده اليمنى على فوق العمود الأسمنتي فيبدأ بإلقاء اليمين ويقول بحق الوالي الصالح انه كذا وكذا فيفض النزاع بالوصول إلى حل يرضي الأطراف المتنازعة.وفي مكان آخر شرق ضريح الوالي يوجد المشور على بعد أمتار من جانب المقبرة وهو عبارة عن بيت عاري لا تتعدى مساحته عشر أمتار او ينيف وبدون باب جدرانه مسبوغة بطلاء الجير اغلب زواره من النساء القرويات يقصدنه بغرض الشكوى وكلهن أمل في ان ينصفن من غبن او ظلم.فهده امرأة في عقدها الرابع تستعطف وتتوسل بسبب إهمال الزوج لها على حين غرة تحولت حياتها معه إلى جحيم لا يطاق ولم تفهم أسبابه إلي أن نزل عليها - خبر ارتباط زوجها بأخرى – كالصاعقة وسعت بكل ما أوتيت من جهد إلى تفريقهما دون جدوى ولم يبقى لها من حل سوى اللجوء إلى المشور لعلها تفلح حيث أعجزتها الحيلة في نيل حقها المسلوب.نزعت دثار رأسها ثم شرعت في مسح أرضية المشور به وهي تمطر التي انتزعت زوجها منها بوابل من الأدعية والمصائب.وبين الفينة والأخرى تفد النسوة على المشور بعد أن يزرن ضريح مولاي عبد اله أمغار وضريح سيدي جعفر وسيدي الفزاري وهن محملات بالدجاج والشموع كهدايا في انتظار تحقيق المطلوب ويعدن بإحضار "المرفودة" إن تحقق مسعاهن.ولا تتوقف أغراض الزائرات عند هدا الحد كتلك السيدة و هي في عقدها الرابع جاءت لزيارة المشور بعد أن أعياها دفع واجب كراء الدار التي تقطنها وهي تمني النفس بالمال الذي سيفك ضيقها و يمكنها من بناء او شراء مسكن يخلصها من لعنة الكراء التي تطاردها في متم كل شهر. وحين تذرع طول الممر المؤدي إلى الضريح الوالي الصالح ستصادف خيام العرافين والعرافات كل وطريقته الخاصة في ادعاء قدرته على قراءة طالع الأفراد.وقد اجتمعت حولهم النساء وبعض من الشباب أيضا يجلسون القرفصاء، فها هي ثقافة الخرافة تطل برأسها من قارئات الطالع تتعارك أجساد الزوار رغبة في ضرب الفال من أصحاب "اللدون" و "الكارطا".بعض المشعوذين يعرضون أعشابهم الصالحة لفسخ السحر حسب زعمهم مستعينين بمكبرات الأصوات لإشهار منتجاتهم انه فضاء خاص باستبلاه الناس.
وتقضي عادات الموسم أن ينصرف الناس إلى قضاء مآربهم خلال الفترة الصباحية ويتجه الزوار صوب البحر بينما يخصصون فترة بعد الظهر للتفرج على ألعاب الفانتازيا، يرتدي الفرسان ملابسهم التقليدية ويركبون جيادهم انطلاقا من خيامهم إلي ميدان الفروسية وهو ما يصطلح عليه محليا "المحرك"، عشرات الفرسان تجتمع في صف واحد "السربة" وكل سربة تمثل جماعة أو قبيلة في انتظار إشارة من قائدهم "العلام" للانطلاق وحين يصيح "أهاو أهاو" ترفع البنادق عاليا ثم يردد "الحافظ الله" كإشارة ببدأ الانطلاق للعدو والركض.