1 مدن مغربية منسية 1 الثلاثاء يناير 12, 2010 11:53 am
admin
Admin
مدن مغربية كثيرا ما نصادفها في كتب التاريخ، وفي الحكايات، والمرويات الشفوية المحلية. مدن لا تحمل أسماءها الخرائط الحديثة، ولا يوجد لها مكان بين المدن المعاصرة. مدن لعبت أدوارا مهمة في تاريخ المغرب... عاشت فيها أجيال، وتعاقبت عليها أحداث، وتعددت في مساراتها الزمنية حقب وعصور توقفت عندها المصادر التاريخية كثيرا، وتردد ذكرها عند أكثر من مؤرخ مخلد بذلك ذكرها وما شكله وجودها من أهمية على المستوى السياسي أو الاجتماعي أو التجاري أو غير ذلك. هناك التي اندثرت وبقيت أسماؤها، وهناك التي انتقلت بأسمائها إلى مواقع أخرى، أو التي نبتت من جديد فوق المطمور القديم بمسميات مختلفة. فإذا كان المغرب غني بتاريخه وتراثه ومآثره وبرصيده الحضاري الشاهدة عليه مواقع كثيرة ومتعددة ومتنوعة، فهناك جزء كبير من هذا الرصيد لازال مجهولا، وما تزال شواهده مطمورة في العديد من المواقع التي تصدح كتب التاريخ بذكرها وباستعراض الأحداث المهمة التي مرت بها.
الحلقة الأولى
تقديم عام:لماذا الكتابة عن مدن مغربية مندثرة
لماذا الكتابة عن مدن مغربية انقرضت واندثرت معالمها وشواهدها التاريخية، بل وطمست في الكثير من المواقع أدنى الإشارات المكانية إليها؟. بداية وللتذكير فقط، فالذي لم يندثر خبره لم ينته أمره، ولن يزول أبدا مادامت هناك أسطر وكلمات تخلده في كتب التاريخ، ولا مناص من تذكره واستحضاره، خاصة إن كانت طيات الخبر فيه تحتفظ بما يساعد على فهم الحاضر. من جهة أخرى فالقيمة الأثرية والحضارية والثقافية لهذه المدن بالنسبة للعموم وبدرجة أكبر بالنسبة للباحثين والأثريين والمهتمين بتاريخ المغرب وبالبنايات الأثرية، تفرض الاقتراب منها وإثارة الانتباه إليها. على مستوى آخر، هناك سبب ظهر حين كان العمل على جمع المادة الأولية لهذه السلسلة، والمتجلي في أن هذه المدن المندثرة تختزن في تاريخها الكثير من الأحداث المليئة بالحركية والعبر والبطولات والمسارات التي يمكنها تشكيل مصادر إلهام للأعمال الإبداعية بمختلف الأجناس التعبيرية الأدبية والفنية، بل إن فيها للسينما الوطنية خزانا هائلا من المواضيع التاريخية التي تصلح مادة خاما لسيناريوهات الأفلام التاريخية التي تعاني خزانتنا السينمائية من فراغ مهول فيها. ولعله من بين ابرز الأسباب كذلك، إثارة الانتباه إلى مواقع هذه المدن التي ما يزال الكثير منها مطمورا تحت التراب، والبعض القليل منها معروف كأسماء راقدة في المصادر التاريخية، أو متواترة الذكر بين الحكايات الشعبية كحكي أسطوري أو خرافي، في حين أن الكثير من الإشارات ـ على ندرتها ـ تؤكد وجودها التاريخي. من ناحية أخرى نجد النزر القليل، والقليل جدا منها متداولة أسماؤه بين المغاربة، والتي اشتهرت بفضل الأبحاث الأركيولوجية التي تمت خلال فترة الحماية، وهمت كلا من ليكسوس وشالة ووليلي ولوكوس، في حين أن مدنا مندثرة كثيرة غيرها، وتنتمي إلى عصور ما بعد المرحلة الفينيقية والرومانية، كمدن العصر الوسيط المصنفة مدنا بربرية أو إسلامية أو عربية، والتي تصدح بالإشارة إلى أسمائها العديد من المصادر التاريخية، ما تزال مطمورة مندثرة مجهولة الموقع معدومة الملامح.
طبعا، فالباحثون والمهتمون بتاريخ المدينة في المغرب يعرفون جيدا الهوة الكبيرة التي تنخر جسم الكتابة التاريخية عندنا حول هذا الموضوع. فأول ما يصطدم به الباحث والدارس في موضوع المدن المغربية، هو قلة المصادر التاريخية، والشح الكبير في المعلومات، وفي المادة المرجعية التي تسمح بالتعرف أولا على مكونات وعناصر ومقومات المدينة المغربية عبر مختلف مراحل تشكلها وتطورها وتفاعلها مع الأحداث التي مرت بها. هذه الأحداث التي عادة ما نجد إسهابا كبيرا في التركيز على الشخوص الفاعلة فيها، دونما حديث عن مواقع حدوثها ومسارحها الميدانية، وأمكنة حدوثها. في الغالب ما يكون الخبر عنها عرضيا، أو من باب الإشارة فقط. إضافة إلى ذلك، فالكتابات التاريخية عند معظم مؤرخينا تكاد تكون متفرغة بشكل شبه كلي "للأفراد صانعي التاريخ... لذلك كانت كتاباتهم سجلا منقبيا يخلد أعمالهم(....) إضافة إلى ضياع معظم المصنفات المونوغرافية الخاصة بتاريخ المدن المغربية لاستثناء مؤلفات تعد على رؤوس الأصابع" كما يقول بذلك الأستاذ إبراهيم القادري بودشيسش في مداخلة له بندوة المدينة في تاريخ المغرب العربي. إن الكم الهائل من المدن المغربية المندثرة، يفرض علينا طرح تساؤلات جوهرية و أساسية حول ذلك المصير الذي انتهت إليه، وحول زوال الحياة الحضرية، وتلاشي التمدن من مواقع هي اليوم إما بقايا خرب فوق سطح الأرض، أو مطمورة تحت التراب. الأمر هنا غير مرتبط بحقبه زمنية دون غيرها، فهناك المدن التي خربت واندثرت قبل دخول الإسلام، وهناك التي عرفت نفس المصير إبان مرحلة كل دولة من الدول المتعاقبة على حكم المغرب. فإذا كان للحروب و الصراعات السياسية والقبلية دورها في خراب واندثار بعض المدن، فهي ليست وحدها السبب في ذلك بالنسبة للكثير من المدن المنقرضة. هناك أسباب أخرى على رأسها العوامل الاقتصادية المرتبطة أساسا بالأبعاد الأمنية في كل منطقة، بحيث أن سيادة اللاأمن تعيق التجارة التي تعتبر المرتكز الرئيسي لكل تمدن. والصراعات الداخلية، أو المناوشات الأجنبية، وأزمات الحكم، تضاعف من التهديدات المباشرة، وغير المباشرة المفضية إلى انقراض حياة التمدن بموقع معين، والمؤدية بالساكنة إما إلى الهجرة والنزوح إلى حواضر أخرى، أو إلى الرجوع إلى حياة البداوة، بحيث تؤدي الأزمات الخطيرة إلى انكماش اقتصادي يترجم إلى انبعاث أشكال بدائية وبسيطة في الحياة. ويحق لنا قبل بداية هذه السلسلة حول المدن المغربية المندثرة، أن نتساءل عن المعنى والمفهوم التاريخيين للمدينة المغربية. فحسب الإشارات والمعلومات التي تضمنتها المصادر التي أشارت ولو باقتضاب شديد إلى المدن التاريخية المغربية، فيمكن استخلاص تعريف تاريخي لها، يمكن النظر من خلاله إليها على أنها مكان لتجمع سكاني، يتواجد به مسجد وسوق تجاري وحمامات، ويحيط به في الكثير من الحالات سور. وعادة ما تكون للمدينة وظائف متعددة، إذ هي مركز ديني وتجاري وإداري وسياسي، كما تتوفر على صروح ومنشآت جماعية. وحسب إشارات الكثير من المصادر التاريخية، فالتواجد السكاني بالمدن المغربية، لم يكن مشروطا بكثافة معينة. بحيث نجد مثلا أن كبريات هذه المدن كسجلماسة وفاس تستطيع احتواء عشرات الآلاف من السكان، في حين تقتصر المدن الصغرى أحيانا على بضع مئات.
الحلقة الأولى
تقديم عام:لماذا الكتابة عن مدن مغربية مندثرة
لماذا الكتابة عن مدن مغربية انقرضت واندثرت معالمها وشواهدها التاريخية، بل وطمست في الكثير من المواقع أدنى الإشارات المكانية إليها؟. بداية وللتذكير فقط، فالذي لم يندثر خبره لم ينته أمره، ولن يزول أبدا مادامت هناك أسطر وكلمات تخلده في كتب التاريخ، ولا مناص من تذكره واستحضاره، خاصة إن كانت طيات الخبر فيه تحتفظ بما يساعد على فهم الحاضر. من جهة أخرى فالقيمة الأثرية والحضارية والثقافية لهذه المدن بالنسبة للعموم وبدرجة أكبر بالنسبة للباحثين والأثريين والمهتمين بتاريخ المغرب وبالبنايات الأثرية، تفرض الاقتراب منها وإثارة الانتباه إليها. على مستوى آخر، هناك سبب ظهر حين كان العمل على جمع المادة الأولية لهذه السلسلة، والمتجلي في أن هذه المدن المندثرة تختزن في تاريخها الكثير من الأحداث المليئة بالحركية والعبر والبطولات والمسارات التي يمكنها تشكيل مصادر إلهام للأعمال الإبداعية بمختلف الأجناس التعبيرية الأدبية والفنية، بل إن فيها للسينما الوطنية خزانا هائلا من المواضيع التاريخية التي تصلح مادة خاما لسيناريوهات الأفلام التاريخية التي تعاني خزانتنا السينمائية من فراغ مهول فيها. ولعله من بين ابرز الأسباب كذلك، إثارة الانتباه إلى مواقع هذه المدن التي ما يزال الكثير منها مطمورا تحت التراب، والبعض القليل منها معروف كأسماء راقدة في المصادر التاريخية، أو متواترة الذكر بين الحكايات الشعبية كحكي أسطوري أو خرافي، في حين أن الكثير من الإشارات ـ على ندرتها ـ تؤكد وجودها التاريخي. من ناحية أخرى نجد النزر القليل، والقليل جدا منها متداولة أسماؤه بين المغاربة، والتي اشتهرت بفضل الأبحاث الأركيولوجية التي تمت خلال فترة الحماية، وهمت كلا من ليكسوس وشالة ووليلي ولوكوس، في حين أن مدنا مندثرة كثيرة غيرها، وتنتمي إلى عصور ما بعد المرحلة الفينيقية والرومانية، كمدن العصر الوسيط المصنفة مدنا بربرية أو إسلامية أو عربية، والتي تصدح بالإشارة إلى أسمائها العديد من المصادر التاريخية، ما تزال مطمورة مندثرة مجهولة الموقع معدومة الملامح.
طبعا، فالباحثون والمهتمون بتاريخ المدينة في المغرب يعرفون جيدا الهوة الكبيرة التي تنخر جسم الكتابة التاريخية عندنا حول هذا الموضوع. فأول ما يصطدم به الباحث والدارس في موضوع المدن المغربية، هو قلة المصادر التاريخية، والشح الكبير في المعلومات، وفي المادة المرجعية التي تسمح بالتعرف أولا على مكونات وعناصر ومقومات المدينة المغربية عبر مختلف مراحل تشكلها وتطورها وتفاعلها مع الأحداث التي مرت بها. هذه الأحداث التي عادة ما نجد إسهابا كبيرا في التركيز على الشخوص الفاعلة فيها، دونما حديث عن مواقع حدوثها ومسارحها الميدانية، وأمكنة حدوثها. في الغالب ما يكون الخبر عنها عرضيا، أو من باب الإشارة فقط. إضافة إلى ذلك، فالكتابات التاريخية عند معظم مؤرخينا تكاد تكون متفرغة بشكل شبه كلي "للأفراد صانعي التاريخ... لذلك كانت كتاباتهم سجلا منقبيا يخلد أعمالهم(....) إضافة إلى ضياع معظم المصنفات المونوغرافية الخاصة بتاريخ المدن المغربية لاستثناء مؤلفات تعد على رؤوس الأصابع" كما يقول بذلك الأستاذ إبراهيم القادري بودشيسش في مداخلة له بندوة المدينة في تاريخ المغرب العربي. إن الكم الهائل من المدن المغربية المندثرة، يفرض علينا طرح تساؤلات جوهرية و أساسية حول ذلك المصير الذي انتهت إليه، وحول زوال الحياة الحضرية، وتلاشي التمدن من مواقع هي اليوم إما بقايا خرب فوق سطح الأرض، أو مطمورة تحت التراب. الأمر هنا غير مرتبط بحقبه زمنية دون غيرها، فهناك المدن التي خربت واندثرت قبل دخول الإسلام، وهناك التي عرفت نفس المصير إبان مرحلة كل دولة من الدول المتعاقبة على حكم المغرب. فإذا كان للحروب و الصراعات السياسية والقبلية دورها في خراب واندثار بعض المدن، فهي ليست وحدها السبب في ذلك بالنسبة للكثير من المدن المنقرضة. هناك أسباب أخرى على رأسها العوامل الاقتصادية المرتبطة أساسا بالأبعاد الأمنية في كل منطقة، بحيث أن سيادة اللاأمن تعيق التجارة التي تعتبر المرتكز الرئيسي لكل تمدن. والصراعات الداخلية، أو المناوشات الأجنبية، وأزمات الحكم، تضاعف من التهديدات المباشرة، وغير المباشرة المفضية إلى انقراض حياة التمدن بموقع معين، والمؤدية بالساكنة إما إلى الهجرة والنزوح إلى حواضر أخرى، أو إلى الرجوع إلى حياة البداوة، بحيث تؤدي الأزمات الخطيرة إلى انكماش اقتصادي يترجم إلى انبعاث أشكال بدائية وبسيطة في الحياة. ويحق لنا قبل بداية هذه السلسلة حول المدن المغربية المندثرة، أن نتساءل عن المعنى والمفهوم التاريخيين للمدينة المغربية. فحسب الإشارات والمعلومات التي تضمنتها المصادر التي أشارت ولو باقتضاب شديد إلى المدن التاريخية المغربية، فيمكن استخلاص تعريف تاريخي لها، يمكن النظر من خلاله إليها على أنها مكان لتجمع سكاني، يتواجد به مسجد وسوق تجاري وحمامات، ويحيط به في الكثير من الحالات سور. وعادة ما تكون للمدينة وظائف متعددة، إذ هي مركز ديني وتجاري وإداري وسياسي، كما تتوفر على صروح ومنشآت جماعية. وحسب إشارات الكثير من المصادر التاريخية، فالتواجد السكاني بالمدن المغربية، لم يكن مشروطا بكثافة معينة. بحيث نجد مثلا أن كبريات هذه المدن كسجلماسة وفاس تستطيع احتواء عشرات الآلاف من السكان، في حين تقتصر المدن الصغرى أحيانا على بضع مئات.