1 أسلوب الإسلام لمنع العنف السبت يناير 30, 2010 5:04 am
حواء
مشرف عام
لقد أعطى الاتحاد العالمى للصحة النفسية خلال السنوات الأخيرة اهتماما كبيرا لضحايا العنف من الناحية الوقائية والعلاجية . ففى أكتوبر 1987 تناول مؤتمر القاهرة الدولى هذا الموضوع حيث خصصت له جلسة خاصة . وفى أبريل 1988 عقد مؤتمر فى القاهرة بالتعاون مع معهد ضحايا العنف بالولايات المتحدة وعالج نفس الموضوع وحلل الأسباب المسئولة عن العنف وقد وزعت المطبوعات الخاصة بهذا الموضوع فى جميع أنحاء العالم . وفى يناير أثناء المؤتمر الدولى فى رحلة نيلية من الأقصر لأسوان أثناء الاحتفال بالعيد الأربعين للاتحاد العالمى للصحة النفسية تمت مناقشة هذا الموضوع مرة أخرى . وفى 1990 بعد أزمة الخليج أجريت عدة اتصالات مع معهد ضحايا الخليج لمواجهة وعلاج الحالات الحرجة لضحايا حرب الخليج . وقد عقد عام 1991 ، 1994 مؤتمران فى القاهرة رأسهما فضيلة المفتى ناقشا هذا الموضوع من جميع نواحيه ، وتوجت هذه الأنشطة فى السنوات الأخيرة بإنشاء جمعية محلية خاصة للتخطيط وللإعداد للأنشطة المستقبلية فى هذا المجال الهام . دور الإسلام فى محاربة العنف : كلمة " الإسلام " مشتقة من كلمة " السلام " ويشكل السلام أحد الأركان الهامة فى العقيدة الإسلامية . وقد ذكرت كلمة " السلام " فى القرآن أكثر من 140 مرة . ويؤكد الإسلام على نبذ العنف والقتل ويقول القرآن ] من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا [ ( السورة 5 الآية 32 ) وقد بين النبى محمد صلوات الله عليه السلوك الصحيح للمسلم فقال " المسلم من سلم الناس من لسانه ويده " وقد أشار القرآن لهذا الموضوع فى مراحل الوقاية الثلاث . الوقاية من العنف : يبدأ أسلوب الإسلام فى الوقاية من العنف قبل الميلاد حيث يوصى الزوج باختيار شريكة حياته من مجتمع جيد مسالم فيقول الحديث الشريف ( تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس ) كما يوصى الرسول بتجنب زواج الأقارب فيقول الحديث الشريف " أغتربوا لا تضووا " . ويوصى الرسول صلوات الله عليه – الشباب ألا يتزوج فتاة لجمالها فقط إذا كانت قد نشأت فى بيئة فاسدة فيقول " إياكم وخضراء الدمن وهى المرأة الجميلة فى منبت السوء " وهذه الوصايا لتجنب الجينات المريضة . ويعطى الإسلام للأيام الأولى فى الحياة أهمية خاصة ففيها تشكل شخصية الفرد ولهذا السبب يؤكد الإسلام على أهمية هذه الأيام ويحرص على نضج الأخلاقيات والسلوك الحميد وتنشيط الإرادة . ويؤكد الرسول صلوات الله عليه على التأكيد لتعليم الأبناء مبادئ الصلاة قبل السابعة . وهذا يتطلب النظافة والوضوء وقراءة القرآن وتقليد سلوك الوالدين أثناء الصلاة والاستماع إليهم وهم يقرءون القرآن والإجابة عما يوجه إليهم من أسئلة أثناء هذه الفترة الحرجة من العمر . وتؤدى هذه الخطوات إلي النضج السريع الصحى الخالى من العدوان والعنف والذى يتسم بالسلام والحب والطاعة وهذه الوقاية الأولية مسئولية عدة أطراف فالوالدين والأسرة يأتيان أولا يليها المدرسة والنادى والجيران والأصدقاء والزملاء ووسائل الإعلام والقادة أو الزعماء فى كل منطقة . كما أنها لها أهمية كبرى فى أماكن العبادة كالمساجد والكنائس. إن هذه الهيئات إذا تعاونت مع بعضها فى عملية التنشئة فإنها تعطينا جيلا ناجحا خاليا من العنف . الوقاية الثانية : قد ينشئ العنف من كثير من الأسباب المرضية سواء كانت اجتماعية أو نفسية أو عضوية أو اقتصادية أو غير ذلك . والتشخيص المبكر هام جدا لمعالجة هذه الأمراض المختلفة والتعامل معها . ولابد للمجتمع أن يكون مستعدا لإقامة مراكز العلاج اللازمة لمواجهة هذه الحالات وإعطاء العلاج المبكر والمتابعة . ولابد للطبيب النفسى والأخصائى الاجتماعى والمرشد الدينى أن يعملوا كفريق واحد فى هذه المراكز. وإننى أدعو المراكز الدينية أن توفر التدريب اللازم فى مجال الصحة النفسية للمرشدين لإعدادهم لتحمل هذه المسئولية الهامة . ويؤكد القرآن هذا الاتجاه حيث يقول : ] ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون [ " السورة 3 الآية 104 " وإذا نجح المجتمع فى تحقيق هذه الأهداف فإن مشكلة العنف سوف تقل . إن العنف يولد العنف . ولابد للجهات المعنية أن تعالج هذه الظاهرة فى جميع الحالات . فلابد من تحليل العنف ومعرفة دوافعه ومعالجتها حسب طبيعتها . ويقول القرآن : ] ولا تستوى الحسنة ولا السيئة أدفع بالتى هى أحسن فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم [ . الوقاية الثالثة: قد تستمر حالات العنف بسبب خطأ العلاج أو غير ذلك من الأمراض وهذه الحالات تحتاج إلى التأهيل والعلاج فى مراكز خاصة تستعمل أحدث الأجهزة والأساليب التى بينها الأسلوب الدينى . ولابد للمجتمع أن يسهل إنشاء هذه المراكز . وتبنى سياستها الوقائية على الأسلوب الاجتماعى الدينى . ولابد أن تبتعد هذه المراكز عن المفاهيم القديمة على اعتبار أنها مراكز للعقوبة ويؤكد القرآن على هذه المبادئ فيقول : ] ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التى جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها أكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا [ . " السورة 4 الآية 5" . والكثير من الحالات تستجيب للوقاية الثالثة ويعودون إلى المجتمع الذى يجب عليه أن يسهل حياتهم ويقبلهم كمواطنين عاديين وهذا يتطلب القيام بدور المتابعة لتجنب النكسة . دور العدالة فى الوقاية من العنف : لقد وضع الإسلام حدودا معينة لا يجب تجاوزها كما أن هناك أنواعا خاصة من العقوبة تطبق على من يتجاوز هذه الحدود وذلك لتحقيق التوازن فى المجتمع ودون احتمال الأخذ بالثأر . ولكن على الرغم من كل هذه الاحتياطات فإن الإسلام يشجع الناس على التسامح والعفو . ويقول القرآن فى هذا المعنى : ] فمن عفا وأصلح فأجره على الله [ " السورة 42 الآية 40 " ويقول أيضا : ] وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم [ . ولا تنطبق هذه القواعد على الأفراد فقط ولكنها تنطبق على المجتمعات أيضا ويقول القرآن فى هذا المعنى : ] وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التى تبغى حتى تفئ إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين [ . هذه هى المبادئ الإسلامية العالمية بخصوص مشكلة العنف وهى المبادئ التى وضعت موضع التطبيق فى عمليات العنف فى الخليج والتى ثبت فاعليتها . وقد يتبادر إلى ذهن أحدكم أن يسأل " ولماذا نركز على الدين " ؟ وللرد على هذا نقول : إنه إذا كان هناك قانون له علاقة بالدين فلا شك أنه يكتسب قوة إضافية أكثر مما لو لم يكن كذلك . وهذا يدعو العلوم المتعلقة بعلم النفس أن توسع قاعدتها وتركز أكثر وأكثر فى ثقافات الشعوب وعاداتها لكى تستخرج منها العناصر التى لها علاقة بديانتها للعمل على تقويتها وبذلك تدخل بسرعة فى أنماط السلوك . إن الإسلام عندما يوفر قاعدة عريضة لمقاومة العنف فإنه يكون بذلك قد حفظ حقوق الأفراد وأكد على التزاماتهم ويكون بذلك قد ساعد إيجاد مجتمع متوازن . وقد أعلن الإسلام عن حقوق الأطفال والوالدين والمرأة وحقوق الفقراء وحقوق المرضى النفسيين وكبار السن . إن كل هذه الحقوق إذا اتبعت وأخذت ما تستحقه من عناية واهتمام سوف تضمن مجتمعا يستمتع بالصحة ويخلو من الظلم والعنف والكراهية . هذه هى العناصر الهامة التى يجب أتباعها للوصول إلى مجتمع بناء ومتوازن . وأرجو أن نتمكن من العمل بهذه المبادئ لكى نعطى الأسوة والنموذج الذى يجب اتباعه فى هذا العالم السريع التغير .